لا توجد حدود سحرية للدين العام «2 من 3»

ركزنا في البداية على اقتران الدين بالنمو في الأجل القصير، وهو منهج مشابه للمنهج المستخدم في دراسة Reinhart and Rogoff. ويبين متوسط نصيب الفرد من معدل نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي "بعد التضخم" في السنة التي تلت تجاوز نسبة الدين إلى إجمالي الناتج المحلي حدا أقصى معينا. وكما ورد في الدراسة، لاحظنا أن نمو إجمالي الناتج المحلي منخفض للغاية في العام التالي لتجاوز نسبة الدين إلى إجمالي الناتج المحلي مستوى 90 في المائة. ويوضح بالفعل أن متوسط نمو إجمالي الناتج المحلي يبلغ 2 في المائة تقريبا في البلدان التي تقل ديونها عن 90 في المائة، بينما يتراجع إلى 2 في المائة تقريبا في البلدان التي تعلو نسبة الدين فيها هذا المستوى. في الوقت نفسه، يتضح - الذي يعكس درجة عدم اليقين التي تنطوي عليها تقديراتنا - وجود تفاوت كبير في أداء النمو بين البلدان التي يزيد مستوى ديونها على 90 في المائة.
وليس من الحكمة البحث عن علاقة سببية بين الدين والنمو، لأنه من الممكن أن يكون ضعف النمو هو الذي أدى إلى زيادة الديون - علاقة السببية العكسية التي ناقشناها آنفا.
ففي حين أنه من الممكن تجاوز نسبة الدين إلى إجمالي الناتج المحلي مستوى 90 في المائة يدخل البلدان في حالة من العسر تؤدي إلى تراجع حاد في النمو، من الممكن أيضا أن تكون زيادة الدين العام على مستوى 90 في المائة ناتجة عن عامل آخر يؤدي إلى تراجع إجمالي الناتج المحلي والإيرادات الضريبية - ما يؤدي بدوره إلى ارتفاع الدين.
كذلك، فإن النتائج هشة نسبيا وتؤثر فيها القيم الشاذة تأثيرا كبيرا. فعلى سبيل المثال، ارتفعت نسبة الدين إلى إجمالي الناتج المحلي في اليابان من 133 في المائة في 1943 إلى 204 في المائة في 1944، وبلغ معدل النمو 50 في المائة في عام 1945. وهذه الملاحظة وحدها تؤدي إلى تراجع حاد في متوسط نمو الاقتصادات التي يتجاوز الحد الأقصى للدين فيها 135 في المائة من إجمالي الناتج المحلي.
ويتيح لنا امتداد الإطار الزمني للتحليل، الحد من التحيز الناتج عن علاقة السببية العكسية وتأثير القيم الشاذة مثل الانخفاض الحاد في النمو في اليابان عام 1945، وعن تأثير المتغيرات التي ربما لم تؤخذ في الحسبان. وقد تتضمن هذه المتغيرات أدوات الضبط التلقائي، مثل تأمين البطالة أو الضرائب التصاعدية على الدخل. فخلال فترات انخفاض النمو، غالبا ما تؤدي أدوات الضبط تلك إلى تراجع الرصيد الأولي "أي الفائض أو العجز الحكومي قبل مدفوعات الفائدة"، ما يؤدي بدوره إلى ارتفاع مستوى الدين في الأجل القصير. وبالمثل، توجد عوامل أكثر تلقائية، كالركود الذي يؤدي إلى ارتفاع نسبة الدين إلى إجمالي الناتج المحلي بسبب انخفاض مقام النسبة "إجمالي الناتج المحلي". لكن إذا كان ارتفاع الدين "أي تجاوزه لحد أقصى معين" يؤدي إلى تراجع النمو فيما عدا الأجل القصير، من المتوقع أن نشهد نموا ضعيفا ليس فقط في العام التالي لتجاوز نسبة الدين الحد الأقصى، لكن في الأعوام اللاحقة أيضا.
ويبين أداء النمو في الفترات نفسها على مدى زمني أطول مدته خمسة أعوام وعشرة أعوام و15 عاما، ومقارنة بمدى زمني مدته عام واحدة، يكون الأداء أقل تأثرا بارتفاع الدين في مدى زمني مدته خمسة أعوام، ويقل التأثير كثيرا في الأجل الأطول على مدى عشرة أعوام و15 عاما. تجدر الإشارة إلى أن ارتفاع الدين لا يزال مقترنا بتراجع النمو، لكن أصبح لا يوجد حد أقصى واضح لنسبة الدين إلى إجمالي الناتج المحلي يؤدي تجاوزه إلى تراجع حاد في النمو. ويتضح من ذلك أن التأثير الملاحظ خلال مدى زمني مدته عام هو تأثير مؤقت يعكس على الأرجح انخفاضا في النمو أدى إلى ارتفاع الدين وليس ارتفاعا في الدين أدى إلى انخفاض النمو. ويعزز هذا الرأي ما لوحظ من أن ضعف العلاقة بين النمو والدين خلال الفترات الزمنية الأطول أجلا ليس انعكاسا للتراجع الحاد في نسبة الدين إلى إجمالي الناتج المحلي الذي يعقب تجاوز حدود الدين المرتفعة. فرغم أن نسبة الدين عادة ما تنكمش بالفعل عند وصولها إلى مستويات مرتفعة للغاية، فإن هذه العملية تتم ببطء شديد... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي