التطورات الديمغرافية وهيكل أعمار السكان «3 من 3»
تعتمد مجموعة من هذه الاستراتيجيات على زيادة المدخرات واتساع مشاركة الإناث في القوى العاملة التي تلي انخفاض الخصوبة، ربما مدفوعة باعتماد سياسات تسهل الجمع بين العمل والأسرة. وتنطوي مجموعة أخرى على زيادة هائلة في الحجم الفعلي للقوى العاملة من خلال الاستثمارات القوية في صحة الطفل والتحصيل الدراسي وجودة التعليم. ويمكن أن تسهم مؤسسات الأعمال بدور من خلال المساعدة على إصلاح الممارسات المعنية بالموارد البشرية لتوفير بيئة عمل مواتية بقدر أكبر للعاملين الأكبر سنا وتوسيع الفرص لزيادة وشحذ مهارات العاملين في جميع الأعمار. وقد يكون من العوامل الأخرى التي تخفف آثار تزايد السكان المسنين التطور التكنولوجي مثل "الروبوت الاجتماعي" الذي يساعد على أداء أنشطة جسدية ومعرفية حيوية وإعادة تصميم المدن لتعزيز حياة أكثر نشاطا وأفضل صحة للمسنين. ويشكل تعديل نطاقات التغطية ومعدلات المساهمة والمزايا التي تصرف من نظم الرعاية الصحية ومعاشات التقاعد العامة أيضا استجابة طبيعية للضغوط المالية المصاحبة لشيخوخة السكان، وإن كان ينطوي على مخاطر إثارة التوترات بين الأجيال.
ويمكن رفع السن القانونية للتقاعد كرد فعل قوي لتشدد الأوضاع في سوق العمل المقترن بشيخوخة السكان. وقد ظل سن التقاعد مستقرا بصورة ملموسة على مدى عقود، حتى في مواجهة الارتفاع الحاد في طول الأعمار. ومن شأن الانخفاض المتوقع في نسبة السكان في سن العمل إلى السكان في غير سن العمل أن يكون أقل إذا ارتفعت الشريحة العليا من السكان في سن العمل إلى 70 في المائة على امتداد ربع القرن المقبل.
وبطبيعة الحال، لا يفيد انضمام راشدين أكبر سنا إلى القوى العاملة إلا إذا كانوا يتمتعون بصحة جيدة بما يكفي لكي يصبحوا منتجين. ومن شأن زيادة التركيز على الوقاية من الأمراض أن يسهم بدور مهم في التكيف مع شيخوخة السكان. ويتضمن ذلك التزاما بنظم غذائية صحية بقدر أكبر، ونشاط بدني أكثر، وتخفيض استهلاك التبغ والكحول الضار، وإعطاء مزيد من التطعيمات للكبار ضد أمراض مثل الإنفلونزا والالتهاب الرئوي الحاد والهربس النطاقي.
واقترح البعض كذلك دعم زيادة معدلات الهجرة من دول سكانها "شباب"، كدول إفريقيا، إلى دول سكانها "كبار" كما في أوروبا، كإحدى الخطوات الأخرى نحو التكيف مع شيخوخة السكان. ويمكن حفز الهجرة الدولية كرد فعل لشيخوخة السكان، ولكنه من غير المرجح أن يخفف الأمر كثيرا نظرا للمعارضة الاجتماعية والسياسية لاستمرار الهجرة الجماعية في معظم الدول مرتفعة الدخل.
طريق للمستقبل
لا يزال العالم يمر بأكبر مراحل التحول الديمغرافي في تاريخ البشرية. فالتغيرات في طول الأعمار والخصوبة، إلى جانب التحضر والهجرة، عوامل قوية تشكل مستقبلنا الديمغرافي، وتبشر بعواقب اجتماعية وسياسية واقتصادية وبيئية كبيرة. وسيتسنى على الأرجح التغلب على التحديات وإن كانت جسيمة. ويتيح التكيف السلوكي، والابتكار التكنولوجي، وتغير السياسات والمؤسسات إمكانات كبيرة لموازنة العواقب السلبية والاستفادة من الفرص الواعدة، لكن سيقتضي تطبيقها توافر الموارد المالية وتوفير قيادة وطنية وعالمية قوية. ولا يرجح تحقق أسوأ المخاوف المصاحبة لسرعة النمو السكاني وشيخوخة السكان. ولكن قبل أن نتيقن من ذلك، يجب إجراء كثير من التحليل والحوار والتكيف السلوكي وإصلاح السياسة في المجالين العام والخاص.