العالم والنمو السكاني والشيخوخة والهجرة «2 من 3»

مع تزايد أعداد السكان على امتداد النصف الثاني من القرن الـ20، وكذلك الكثافة السكانية، بدا هناك تباين كبير بين المناطق الجغرافية والدول. ففي عام 1950، تراوحت الكثافة السكانية بين 1.5 نسمة لكل كيلومتر مربع في أوقيانوسيا و45 نسمة في آسيا واليوم، تراوح النسبة بين 5 و142 في المناطق نفسها.
ويواصل مركز جاذبية سكان العالم التحول نحو المناطق الأقل نموا. ويتحول كذلك من المناطق الريفية إلى الحضرية نتيجة للهجرة وارتفاع معدلات المواليد وانخفاض معدلات الوفيات في المناطق الحضرية، وتنمية المناطق الريفية لتتحول إلى مناطق حضرية. والآن أصبح أكثر من نصف سكان العالم يعيش في مناطق حضرية، فارتفعت نسبتهم من 30 في المائة في 1950، ويتوقع بلوغ نسبتهم الثلثين بحلول عام 2050. وسكان إفريقيا هم الأقل انتشارا في المناطق الحضرية، فيعيش 40 في المائة منهم في مناطق حضرية لا تكاد تتجاوز نسبتهم نصف النسبة في أمريكا اللاتينية والكاريبي، وهي أكثر مناطق التوسع الحضري بين المناطق النامية. ويتوقع أن يعيش 50 في المائة من سكان آسيا في مناطق حضرية خلال الأعوام القليلة المقبلة.
ونما عدد المدن الكبرى -المناطق الحضرية التي يزيد عدد سكانها على عشرة ملايين نسمة- من 4 في 1975 إلى 29 اليوم. ويسكن المدن الكبرى 471 مليون نسمة، 12 في المائة من سكان الحضر في العالم، و6 في المائة من مجموع سكان العالم. وأدخلت الأمم المتحدة أخيرا مفهوم المدن "فوق الكبرى" التي يبلغ سكان الحضر فيها 20 مليون نسمة أو أكثر. وبلغت ثماني مدن مستوى المدن "فوق الكبرى" في عام 2015. وتأتي طوكيو على رأس القائمة حيث يسكنها 38 مليون نسمة، أكثر من سكان كندا. وتأتي في المرتبة الثانية مدينة دلهي التي يتجاوز عدد سكانها البالغ 26 مليون نسمة عدد سكان أستراليا، ومن المدن فوق الكبرى الأخرى شنغهاي وساوباولو ومومباي والمكسيك وبكين وأوساكا. وبحلول عام 2025، يتوقع أن تنمو كل من دكا وكراتشي ولاجوس والقاهرة لتصبح مدنا فوق الكبرى.
ويدور جدل مكثف حول انعكاسات أنماط هذا التوزيع المكاني للسكان حيث يؤكد البعض المنافع الاقتصادية المصاحبة لأنماط التركز الحضري، مثل تجمعات العمالة والأسواق الكبرى لبيع السلع والخدمات. ويلقي آخرون الضوء على الضغوط التي تفرضها كثافة التجمعات السكانية الحضرية على الأراضي والهواء وموارد المياه، واستهلاك سكان المناطق الحضرية غير التناسبي من الوقود الأحفوري وما يقابله من مساهمتهم في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وحقيقة أن ما يزيد على مليار نسمة يعيشون أوضاعا مزرية للغاية في الأحياء الفقيرة في المناطق الحضرية.
على الرغم من تزايد أعداد السكان، بدأت وتيرة النمو السكاني تتباطأ أخيرا. فتبلغ نسبة نمو سكان العالم في الوقت الحاضر 1.08 في المائة في العام، وهو ما يعني ارتفاع عددهم بمقدار الضعف كل 64 عاما. وانخفضت نسبة هذا النمو من مستوى مرتفع بلغ 2.06 في المائة خلال الفترة من 1965 - 1970، أو عندما كان عددهم يتضاعف كل 34 عاما. وتسجل إفريقيا أعلى معدلات النمو وتبلغ 2.44 في المائة "يتضاعف سكانها كل 28 عاما"، وتسجل أوروبا أدنى مستوياتها 0.04 في المائة "يتضاعف عدد سكانها كل 173 عاما". ويشهد المعدل الكلي لنمو السكان هبوطا ويتوقع استمرار هبوطه في كل منطقة جغرافية. وبالنسبة للعالم ككل، يتوقع انخفاض معدل نمو السكان إلى النصف في الفترة بين الآن و2050.
وغالبا ما يستخدم خبراء الديموغرافيا نموذج "تحول ديموغرافي" في وصف العملية الديناميكية لنمو السكان، وهو ما يمثل انعكاسا للتحول من نظام ارتفاع معدلات المواليد والوفيات إلى انخفاض معدلات المواليد والوفيات. وإحدى السمات الرئيسة للتحول هي حدوث التراجع في معدلات الوفيات قبل تراجع معدلات الخصوبة، والنتيجة هي الدخول في مرحلة من النمو السكاني.
مع تراجع عدد الوفيات سنويا على مستوى العالم لكل ألف نسمة باطراد من 19.2 في الفترة 1950 - 1955 إلى 7.8 اليوم. ويرجع هذا التراجع إلى عوامل مثل تطور اللقاحات واتساع نطاق استخدامها؛ وأوجه أخرى للتقدم الطبي مثل استحداث العلاج بالمضادات الحيوية ودواء إعادة المياه إلى الجسم عن طريق الفم، وتحسن الأنظمة الغذائية، والتدخل في الصحة العامة بما في ذلك تحسن الصرف الصحي، وتوفير مياه للشرب آمنة بقدر أكبر، والناموسيات المعالجة بمبيدات حشرية، والتوسع في التعليم "خاصة للأمهات"، وتحسن النظم الصحية والبنى التحتية الأخرى. ويرتبط ذلك كله بزيادة تصل إلى 24 عاما في الأعمار المتوقعة على مستوى العالم من 47 في الفترة 1950 - 1955 إلى 71 الآن. وبالنظر إلى أنه كان من المعتاد أن يعيش المولود في المتوسط حتى بلوغه 30 عاما تقريبا على امتداد معظم تاريخ البشرية، فإن هذه الزيادة البالغة 24 عاما، أي بمتوسط تسع ساعات من العمر المتوقع في اليوم على مدى 65 عاما، هي حقيقة إنجاز إنساني مذهل ولم يستكمل دورته بعد. ويتوقع ارتفاع العمر المتوقع في العالم إلى 78 بحلول الفترة 2050 - 2055... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي