الاستدامة .. المفتاح السحري للتنمية

الاستدامة نهج شامل للتنمية يأخذ في الحسبان الأبعاد البيئية والاجتماعية والاقتصادية. ومفهوم الاستدامة حديث نسبيا، فقد ظهر بشكل واضح مع تعريف التنمية المستدامة في منتصف الثمانينيات من القرن الميلادي الماضي، الوارد في تقرير برونتلاند (Brundtland) في 1987، الذي ينص على أن التنمية المستدامة هي "التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر دون المساس أو الإضرار بقدر الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتهم"، ثم برز بشكل أكبر خلال مؤتمر قمة الأرض المنعقد في البرازيل في 1992، ثم في مؤتمر التنوع البيولوجي في 1993، وكذلك برتوكول كيوتو في 2000، بعد ذلك ترسخ المفهوم في أهداف التنمية الألفية الأممية في 2000.
ويقوم مفهوم الاستدامة على ثلاث ركائز أو أبعاد: اجتماعي (الإنسان)، واقتصادي (أرباح)، وبيئي (كوكب الأرض). وتهدف الاستدامة البشرية إلى المحافظة على رأس المال البشري وتحسينه من خلال الاستثمار في نظم الصحة والتعليم، وتسهيل الوصول للخدمات والغذاء، وتطوير المعرفة والمهارات. وفي سياق الأعمال، ينبغي أن تنظر المنظمة إلى نفسها كعضو في المجتمع يتبنى قيم الأعمال، التي تحترم رأس المال البشري. وبوجه عام، فإن الاستدامة البشرية تشتمل على تطوير المهارات وقدرة الإنسان على دعم استدامة المنظمات وتوفير الرخاء للمجتمعات. أما الاستدامة الاقتصادية، فتهدف إلى الحفاظ على رأس المال، وتحسين مستوى معيشة المجتمع. وفي سياق الأعمال، فإن مفهوم الاستدامة يشير إلى الاستخدام الفعال لأصول الشركة للحفاظ على استمرار أرباحها مع مرور الزمن. وهذا يعني أن المحافظة على نمو اقتصادي مرتفع وثابت هو هدف رئيس للتنمية المستدامة، وأن إهمال النمو الاقتصادي ليس خيارا. وبناء عليه، فإن التنمية المستدامة ليست نموا اقتصاديا فقط، أي أن هناك اهتماما بالكمية والنوعية على حد سواء.
وفي الجانب الآخر، فإن الاستدامة البيئية تهدف إلى تحسين رفاهية الإنسان من خلال رأس المال الطبيعي بمكوناته من أرض، وماء، وهواء، ومعادن ونحوها. لذلك توصف المبادرات والبرامج بأنها مستدامة بيئيا، إذا كانت تضمن تلبية احتياجات السكان دون الإضرار باحتياجات الأجيال القادمة. وبهذا تؤكد الاستدامة البيئية على تحقيق الشركات مخرجات اقتصادية دون الإضرار بالبيئة على المدى القصير أو البعيد.
بناء عليه، ينبغي الاهتمام بمفهوم الاستدامة في جميع المجالات لضمان استدامة رفاه الإنسان.
ومن المثلج للصدر أن بعض شركاتنا الوطنية تهتم بالاستدامة. فعلى سبيل المثال، قامت "سابك" باستخلاص كميات كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون لإنتاج عديد من المغذيات الزراعية والأسمدة. وفي الجانب الآخر، تتبنى جامعات كثيرة في الدول المتقدمة مفهوم الاستدامة في أنشطتها، فهناك لجنة للاستدامة في جامعة كاليفورنيا – على سبيل المثال- تعنى بتعزيز ثقافة الاستدامة فيها بمشاركة مجتمع الجامعة من خلال أنشطة التعليم والبحث وخدمة المجتمع. وقامت جامعة البرتا الكندية باعتماد خطة للاستدامة تسهم في ترتيب الأهداف الاستراتيجية والمبادرات والممارسات بما يحقق للجامعة الريادة في الاستدامة. وبالمثل، أنشأت جامعة أريزونا مكتبا خاصا بالاستدامة لتعزيز مفهوم الاستدامة في التعليم والبحث والابتكار.
وأخيرا، من خلال اهتمام رؤية المملكة 2030 بالاستدامة البيئية والمسؤولية تجاه الأجيال القادمة، فإنني أدعو الجامعات والشركات والمؤسسات الحكومية لتشكيل أقسام أو لجان تعنى بالاستدامة في أعمالها وأنشطتها بما يضمن استمرار نجاح إنجازاتها في بيئة نظيفة ومجتمع مزدهر، ويحقق تنمية مستدامة لبلادنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي