الفساد والنزاهة في المنطقة الرمادية «2 من 2»

يهدف برنامج ترمب لمكافحة الفساد إلى محاربة الدول الاستبدادية والسماح للشركات الأمريكية بالمنافسة بشكل عادل في جو من الشفافية. بمعنى آخر، دعا ترمب إلى محاربة الفساد للتأثير في اللاعبين الدوليين، وحماية مصالح الولايات المتحدة، والمساهمة في الحرية السياسية والمنافسة العادلة على الصعيد الاقتصادي. يوضح هذان المنظوران جانبين للفساد. يعزى الفساد من جهة إلى عدم نزاهة النظام السياسي بسبب الحوافز الاقتصادية غير الملائمة. ومن جهة أخرى إلى عدم نزاهة النظام الاقتصادي بسبب التأثير السياسي غير المناسب. تبقى المسألة تحديد الجهة المسؤولة عن دفع الحوكمة العالمية من منظوري شي جين بينج ودونالد ترمب حول الفساد، القوة السياسية أو الاقتصادية.
إن مسألة وجهات النظر المتطرفة في اتخاذ الشركات العالمية قرارات عملية من خلال منظور واحد أمر محفوف بالمخاطر، مثل الاستراتيجيات غير السوقية وخطط التوسع الخارجية بحاجة إلى تغطية جميع النواحي التي تشهد فسادا.
قد تساعد بعض المدخلات النظرية على تحديد الأشكال المختلفة للفساد ومكافحته.
الموقف من الفساد الذي يمارس ضغوطا سياسية على حساب الاقتصاد، كما هو الحال في خطاب شي، عبارة عن علاقة مترابطة. فخلال هذه العلاقة، يتعاون طرفان محددان للاستفادة من نشاطهما المشترك. والأهم من ذلك، تتشارك هذه الأطراف في الهوية وتوجد كوحدة واحدة. هذه الوحدة تسعى إلى حماية كيانها من خلال تعزيز النزاهة في هذه العلاقة. أما الموقف الذي يركز على الاقتصاد على حساب السياسة، كما هو الحال في استراتيجية ترمب للأمن القومي، فهو عبارة عن علاقة تبادلية. حيث يتنافس الطرفان لتحقيق استفادة متبادلة. والهدف من العلاقة التبادلية تحقيق الاستفادة لكلا الطرفين. فالمنفعة المتبادلة هي التي تدفع العلاقة وتكون النزاهة في التعامل بمنزلة حماية لها. يوجد لكلا الموقفين تعريف معين للنزاهة مبني على أسس ثقافية وفلسفية. ولكل منهما قيم معينة خاصة به. ومع ذلك، فإن التفاعلات الاجتماعية هي مزيج من العلاقات المترابطة والمتبادلة وينبغي التعامل معها على هذا النحو. تمثل العلاقات أو التبادلات، الاقتصاد أو السياسة، المنافسة أو التعاون، أقصى مستويات التطرف الذي لا ينبغي أن يدعي تغطيته لكل الحقائق وحده. فالنزاهة لا تعني النقاء، بل رسم خط في المنطقة الرمادية، وهي عملية ديناميكية تشترك فيها الجهات الفاعلة ومراجعها وسياقها. عدم التهاون مع الفساد، بما أن الفساد هو المنطقة الرمادية، فإن الحقيقة المزعجة تتمثل في كون السلوكيات الفاسدة ليست شرا مطلقا. وبالمثل، ليس من الضرورة أن يكون الأشخاص الذين لم تتلوث أيديهم بالفساد نموذجا للنزاهة. لسوء الحظ، فإن خطابات عدم التهاون بأمور الفساد لا تعبر عن هذا التعقيد. هذا لا يعطي عذرا للفساد أو أي شكل من العلاقات والتبادلات التي قد تتخذ شكلا متطرفا، ويجب أن يطلق عليها مسمى جريمة وتقتضي العقاب.
يجب الاعتراف بالحاجة إلى تحليل ثاقب للخير والشر في التفاعلات الاجتماعية، ما سيؤدي إلى التوصل لأحكام متناقضة بسبب التعقيد الذي ينطوي عليه الأمر.
تقبل وجود منطقة رمادية لا يعني إنكار كون بعض التصرفات أسوأ من الأخرى. لكن كونك تقبلتها يعني أنك تسعى إلى النزاهة بكل ضمير. في عالم الأعمال، تتمحور قضية مكافحة القياديين للفساد بشكل فعال حول تبني موقف حازم تجاه منظور الشخص نفسه للفساد. كما لا يجب التمسك بفكرة الفساد على طول الخط، وكأنها معضلة على درجة عالية من الدناءة لتتوسخ يداك بها. اسأل نفسك كيف تتصور النزاهة؛ وانظر في احتمال أن بعض علاقات العمل تربط النزاهة بالفساد. قد تكون الخطوة الأولى من خلال إنشاء مساحة في شركتك للنقاشات والأسئلة غير المريحة. فبدلا من محاولة التأكد من عدم وجود فساد في شركتك من خلال وجهة نظرك الاعتيادية، افترض على سبيل التجربة أنها فاسدة وفقا لعقلية بديلة. ثم قم بفحص أسلوب عملك بشكل دقيق من خلال هذا المنظور. فقد تكتشف حقائق مدهشة حول أسلوبك وتستكشف حافزا جديدا لتطوير شركتك عندما تكون خارج منطقة راحتك. عندها ستكون قطعا مستعدا بشكل أفضل في حال وجود تهمة موجهة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي