العملات المعولمة ونظام ارتباطها
يرتبط النظام النقدي ارتباطا وثيقا بالفوضى المالية. ومنذ عام 1971، كان النظام العالمي يعمل وفقا لنظام تعويم العملات الذي يهيمن عليه الدولار الأمريكي. وثبت أن هذا النظام قابل للتنفيذ. لكنه كان غير مستقر إلى حد ما أيضا. ويشتكي عديد من أنه سمح للولايات المتحدة باعتماد سياسات تتسبب في تحولات لا يمكن التنبؤ بها ولا إدارتها في التدفقات الرأسمالية إلى ومن الأطراف الخارجية التي ليس بوسعها أن تفعل شيئا. وعلى الرغم من ذلك، من المرجح أن يستمر نظام الدولار المعوم المكروه لأنه لا توجد أي عملة أخرى ولا ترتيب عالمي آخر يمكن أن يحظى بتوافق الآراء المطلوب من الجميع، على الأقل ليس في المستقبل القريب.
وكانت السياسات التجارية قوية نسبيا، مع احتواء التراجع إلى الحمائية بشكل ملحوظ في الاقتصادات مرتفعة الدخل. غير أن محاولات إكمال جولة الدوحة من المفاوضات التجارية متعددة الأطراف فشلت في الأساس وأصبح مستقبل خطط الاتفاقات التجارية متعددة الأطراف الطموحة "والمثيرة للجدل" غير مؤكد. وربما تكون فترة التحرير الكبير في التجارة قد انتهت. ويمكن أن يكون نمو التجارة العالمية في السلع قد تباطأ للأبد. وتسعى بعض الحكومات إلى السيطرة على الإنترنت. لكن من غير المحتمل أن يؤدي ذلك إلى وقف تدفق النشاط التجاري، على الرغم من أنه يمكن أن يحد من قدرة المواطنين على الوصول إلى آراء غير مرغوبة سياسيا. وفي الوقت نفسه من المرجح أن تزيد القيود المفروضة على حركة الأشخاص بدلا من أن تنخفض في الأعوام المقبلة. وفي حين أصبحت الاقتصادات أكثر ترابطا تواصل الحكومات توفير الأمن وتنفيذ القوانين وتنظيم التجارة وإدارة النقود. وفي الأماكن التي تتدفق فيها التجارة بحرية، هناك أكثر من ولاية تتأثر بذلك ويجب أن يوافق الجميع بحكم الواقع على الأطر القانونية والتنظيمية التي تحدث فيها المعاملات. وهذا التعارض بين البعدين الاقتصادي والسياسي من عالمنا الذي تسوده العولمة يمثل مصدرا لعدم إمكانية التنبؤ. وكلما زادت التدفقات التجارية زادت حاجة الدول إلى الاتفاق على التنسيق العميق بين مؤسساتها وسياساتها مثلما يتضح ذلك في الاتحاد الأوروبي. ويمكن أن يؤدي هذا التكامل أيضا إلى توترات مثلما أوضحت ذلك أزمة منطقة اليورو. وبالنسبة إلى عديد من البلدان اليوم لا يمكن تصور الدرجة نفسها من التكامل.
ولهذه الأسباب، من المؤكد أن تظل العولمة محدودة إلى حد ما. ويتاجر الأشخاص مع مواطني بلدانهم أكثر من تجارتهم مع الأجانب. ويعزى ذلك في جزء منه إلى المسافة. لكنها أيضا مسألة ثقة وشفافية. والحدود بين البلدان مهمة وستظل كذلك. وفي نهاية المطاف، يجب أن توافق الحكومات على الانفتاح. وعند قيامها بذلك، عليها أن تراعي الحقائق السياسية المحلية. ففي عالم يعاني تباطؤ النمو وزيادة عدم المساواة في عديد من البلدان، خاصة البلدان مرتفعة الدخل، لا يمكن مع الأسف افتراض استمرارية مثل هذه الموافقة. وسيبقى البشر قبليين وستبقى الدول متنافسة. وفي عام 1910 خلال ذروة عولمة ما قبل الحرب العالمية الأولى، كتب السياسي والصحافي البريطاني نورمان أنجل كتاب The Great Illusion الذي يدعي فيه أن الحرب لن تكون مجدية اقتصاديا. وقد كان على حق. ومن الناحية الفكرية، يتفق زعماء جميع بلدان العالم تقريبا الآن على أن الصراع لا يمكن أن يعزز رخاء بلدانهم. ومع أنه لا جدال في أن الحرب مدمرة فقد أثبتت أحداث 1914 أن ذلك لا يضمن تجنبها، على الرغم من أن الأسلحة النووية رفعت تكاليف النزاع إلى مستويات لا يمكن تخيلها.
حتى إذا استمر السلام بين القوى الكبيرة، فقد لا يكون الحال كذلك بالنسبة إلى التعاون المطلوب لتأمين وجود اقتصاد عالمي أكثر تكاملا ورخاء. ومن أهم التحديات التي تلوح في الأفق هي إدارة انخفاض قوة الغرب وصعود الصين والأسواق الصاعدة الأخرى. ويعلمنا التاريخ أنه لا التكنولوجيا ولا علم الاقتصاد يمكن أن يضمن مستقبل العولمة على المدى القصير إلى المتوسط، ولا يضمن ذلك إلا الاختيارات السياسية. وعلينا جميعا مسؤولية إدارة الفرص التي تتيحها لنا العولمة بحكمة.