Author

أسعار المطاعم .. ميزة احتكارية أم منافسة؟

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى


لم يعد بيننا من لا يحتاج إلى المطاعم، فقد أصبحت جزءا من الحياة العصرية في المدن، لكن مشهد السوق والقطاع ينبئ وينذر بكثير، فالأسعار تأخذ منحنى تصاعديا وبشكل لا يمكن تفسيره عموما ضمن سياق مؤشر الغذاء الذي لا يشهد مثل هذه الارتفاعات. وهناك مظاهر تشبه إلى حد ما مظاهر سوق المنافسة الاحتكارية، فالحصول على وجبة واحدة صغيرة من البرجر - مثلا - تجعلك تنفق مبالغ تصل إلى 50 ريالا في المتوسط، بل تصل إلى أكثر من ذلك في بعض المطاعم. وبعض الوجبات السريعة التي لم تكن تتجاوز ثلاثة ريالات، أصبحت اليوم بأسعار تصل إلى 30 ريالا. والخروج مع عائلة من أربعة أشخاص في يوم واحد يجعلك تنفق مبالغ تتجاوز 500 ريال في المتوسط، وتصل الأسعار إلى أكثر من ألف ريال، ويخرج بعضهم وهو لا يزال جائعا، نظرا إلى انخفاض كميات الطعام المقدمة. من يتابع نشرة هيئة الإحصاءات العامة، يجد أن أسعار "المطاعم" تضخمت في آب (أغسطس) بنحو 15 في المائة، ولأن سنة القياس 2013 تضخمت بما يعادل 25 في المائة عن أسعار 2007، فإن التضخم في أسعار المطاعم يزيد على 35 في المائة مقارنة بسنة الأساس 2007، وهذا في مجال خدمات تقديم الطعام. مثل هذا الارتفاع شهده القطاع في أسعار الطعام نفسها وفي أسعار المقاصف، ورغم أن تكلفة المعيشة انخفضت بسبب تراجع تكلفة السكن، إلا أن أسعار المطاعم لم تشهد تراجعا، بل ارتفاعا في جميع مؤشراتها.
هذه الأرقام تدل على أن السوق تشهد نموا كبيرا مرده إلى التسهيلات الكثيرة المقدمة لهذا القطاع، وأيضا منهجية الحكومة في التعامل معها بوصفها سوقا حرة، وترك المنافسة تحدد الاتجاهات، وأنا "شخصيا" مؤيد لهذا الاتجاه، لكن بشرطين الأول ضمان عدم وجود مظاهر احتكارية في السوق، والشرط الآخر - والأهم - عدم التدخل إذا انقلبت الحال على التجار وتراجعت الأسعار بشكل مخيف بالنسبة إليهم. فإذا كان لدى وزارتي التجارة والشؤون البلدية والقروية، القناعة بأهمية التدخل إذا تحولت السوق إلى ما يشبه حرب الأسعار، فعليها التدخل الآن لمنع الاتجاه الصاعد في الأسعار، وبدء تنظيم السوق من اليوم، لكن أن تترك هذه المطاعم تتلاعب بالأسعار مستفيدة من التسهيلات الاقتصادية الهائلة المتوافرة لها وتحقق أرباحا غير عادية، ثم إذا انقلبت حالها تدخلت الوزارة لحل مشكلاتها، فإن المستهلك أولى وأحق بالدفاع عنه أمام موجة الأسعار الخيالية التي تجتاح السوق اليوم. ولنا في تجربة شركات الألبان ما يخبرنا كيف أن ترك السوق حرة في حال الازدهار والشركات ترفع الأسعار كما يحلو لها ثم إذا تحولت جنتها إلى جهنم وبدأت الحرب فيما بينها، تدخلت الوزارة بشعار حماية القطاع والصناعة، وهو ما تكرر أيضا في صناعة الحديد والأسمنت من قبل.
وإذا كنت – شخصيا – مؤيدا عدم تدخل الحكومة في السوق، إلا أن ذلك لا يمنع وجود تنظيم ونظام يحقق العدالة والشفافية، ذلك أن الأهم اليوم هو عدم استفادة هذه المطاعم من الوضع الاحتكاري والمزايا التي وفرتها لها الدولة، فقد وصل الحال - مثلا - في بعض مطاعم "منطقة عسير ومقاهيها" إلى وضع رسم على طاولة الطعام نفسها، رسم يصل – كما علمت – إلى 100 ريال للساعة الواحدة، وهو رسم غير مسترد وليس ضمن فاتورة الطعام، رسم يعود إلى وضع احتكاري بحت بسبب الفوز بمنطقة هي في الأصل حكومية وحدائق عامة تم تطويرها لتحسين جودة الحياة وتنمية السياحة في المنطقة، فإذا هي تتحول إلى فعل احتكاري يحرم الطبقة المتوسطة تماما من الوصول إلى ما كان حقا مشاعا لها، كذلك سعر الوجبة الواحدة أو حتى كوب واحد من القهوة يصل إلى 150 ريالا. وإذا كانت وزارة التجارة قد منعت المطاعم من إضافة قيمة الخدمة على الفاتورة، ذلك أن الخدمة حق للمستهلك، إلا أن هذه المطاعم الاحتكارية استطاعت التلاعب من خلال وضع رسم على الطاولة، وكأنه يمكن للفرد تناول طعامه دون الحاجة إلى الطاولة. هنا تظهر نماذج متطرفة جدا من العمل والتجارة التي يجب على الوزارة التدخل فيها لحماية الطبقة المتوسطة من جشع البعض، معتمدا على قوة الطلب ورغبة الإنسان في الترفيه عن نفسه وعائلته. وإذا كانت الرأسمالية تفسر حق السعر الاحتكاري بعوائد التكوين المتراكم لرأس المال، فإن هذه العوائد الاحتكارية التي حققتها المطاعم في منطقة عسير ليس مردها إلى هذا التكوين الرأسمالي التراكمي، بل تعود إلى مزايا نسبية للموقع العام الذي تم تخصيصه لها. وفي الوقت الذي كان من المتوقع ألا تحقق هذه المطاعم أي مكاسب من الموقع أكثر من حجم الإقبال والطلب، فإنها تعمد إلى استخدامه فعلا احتكاريا وتمنع الوصول إليه، إلا من خلال رسوم مرتفعة، بل خيالية، كما هو اسم الموقع.
عودا على بدء، فإننا أمام حقائق واضحة، هي أن قطاع المطاعم وتقديم الوجبات يشهد نموا كبيرا ويحقق أرباحا غير عادية، وهذا سيقود مع الأيام إلى زيادة عدد الداخلين إلى السوق بشكل واسع، ما يعزز فرص تراجع الأسعار إلى حجم المنافسة، وقد يصل الأمر – كما أتوقع – إلى حرب أسعار، عندها أتمنى من الوزارة ألا تتدخل، وأن تترك السوق تعاقب كما منحت وشجعت. حتى ذلك الحين، فإن على الوزارة منع الفعل الاحتكاري - كما هو مشهد المطاعم في منطقة عسير - والعمل على تنظيم السوق من خلال توفير تصنيف معتمد للمطاعم، وإجبارها على وضع تصنيفها في مكان بارز على رأس قائمة الطعام. هذا التنظيم نوع من الشفافية للمستهلك وتوفير معلومات تساعده على اتخاذ القرار قبل اختيار المطعم.

إنشرها