default Author

الطلب النهم على الرمال «1 من 2»

|


على عكس ما يبدو في الظاهر، لا يوجد من المادة الخام الأساسية لصناعة الزجاج والخرسانة ما يكفي للوفاء بالطلب عليها، تشهد صناعة المنشآت التجارية حالة من الازدهار في الوقت الراهن. فالأبراج المخصصة للمكاتب تتوالى الظهور على نحو مفاجئ في ضاحية مانهاتن، مسجلة أسرع وتيرة للبناء منذ عقود. وفي هذا الصدد يقول مادي إلدريدج أحد محللي السوق لدى مجموعة كوستار، وهي شركة متخصصة في البحوث العقارية "هناك 23 بناية تحت الإنشاء بمتوسط 32 طابقا، ومن المتوقع حدوث زيادة كبيرة في الإنشاءات. بالنسبة للبنايات السكنية، هناك كم غير مسبوق من المنشآت الجديدة".
ولا يقتصر هذا على نيويورك وحدها. ففي سنغافورة يوجد تحت الإنشاء ما يزيد على 12 بناية تتألف من 40 طابقا فأكثر. وفي دبي، بدأ إنشاء مركز للتسوق على مساحة تغطي ثمانية ملايين قدم مربعة، بعد الانتهاء من إقامة أطول برج في العالم، وهو برج خليفة الذي يبلغ ارتفاعه 2719 قدما على مساحة 1.8 مليون قدم مربعة من الزجاج الذي استلزم بناؤه 110 آلاف طن متري من الخرسانة.
وتقول الأمم المتحدة إن المدن حول العالم تنمو بسرعة أكبر من أي وقت مضى، حيث يعيش 54 في المائة من سكان العالم في المناطق الحضرية، ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 66 في المائة بحلول عام 2050. وطبقا لتقرير آفاق التوسع الحضري العالمي الصادر عن الأمم المتحدة، يمكن أن يؤدي التوسع الحضري مقترنا بالنمو السكاني للعالم ككل إلى إضافة 2.5 مليار نسمة آخرين لقاطني المدن بحلول عام 2050. ويفيد التقرير بأن المدن الكبرى كان عددها عشرا وتعداد سكانها عشرة ملايين نسمة أو أكثر في عام 1990، وارتفع عددها اليوم إلى 28، مع توقع زيادة هذا العدد إلى 41 بحلول عام 2030.
ولكن مع زيادة حجم حواضر العالم وارتفاع منشآتها إلى عنان السماء لكي تستوعب الزيادة السكانية، بدأت سلسلة إمدادات الموارد الطبيعية على كوكب الأرض تصل إلى أقصى طاقتها الممكنة. ولا ترجع هذه الضغوط إلى تزايد الطلب على الذهب أو الألماس أو النحاس، وإنما الرمال ــ المادة الخام الأساسية في أعمال البناء ومن ثم التنمية الاقتصادية.
وغالبا ما يتم تصنيع الخرسانة والزجاج من نوع معين من الرمال موجود في الأعماق تحت سطح الأرض وتحت الماء وعلى الشواطئ. وأصبح استخراج الرمال لتلبية الطلب المتزايد على مدار السنين صناعة مزدهرة تدر مليارات الدولارات، إلا أن أبحاث برنامج الأمم المتحدة للبيئة تشير إلى عدم إمكانية استمرار الاستخراج بهذا المعدل.
ويقول التقرير: "تمثل الرمال والحصى أكبر استخدام للمواد الخام على الأرض بعد المياه، حيث تبلغ معدلات استخدامهما مستوى أعلى بكثير من معدلات تجدها في الطبيعة".
تستخرج كل حبة رمل في الأصل من صخرة على قمة جبل. وهذه الحبيبات التي تتكون بفعل التعرية على مدار آلاف السنين تقطع رحلة طويلة عبر الينابيع والجداول والأنهار وصولا إلى المحيط، حيث يوزعها المد والأمواج على قاع المحيط قبل أن تحمل في النهاية إلى الشواطئ.
وشكلت سدود الأنهار التي أنشئت خلال القرن الماضي عائقا كبيرا أمام هذه العملية الطبيعية، ومن ثم فلن يتسنى قط تعويض نحو نصف الرمال والحصى التي تقدر بنحو 40 مليار طن متري تستخرج سنويا لأغراض التشييد وتصنيع الزجاج وغيرها من الاستخدامات ــ مثل استصلاح الأراضي والتنقيب عن النفط.
ولن تكفي في هذا الصدد كميات الرمال التي تبدو لا نهائية في صحراء موهافي والصحراء الكبرى. فحبيبات الرمال الصحراوية استدارت بفعل الرياح مع الوقت ولم يعد من الممكن أن تلتصق معا، وهي خاصية أساسية من خواص الرمال المستخدمة في أعمال البناء.
وتمثل صناعة الأسمنت أكبر مستهلك للرمل والحصى. فحسب تقديرات المسح الجيولوجي في الولايات المتحدة USGS، استهلكت صناعة الخرسانة نحو 29 مليون طن متري في عام 2012، بارتفاع حاد عن الاستهلاك الذي بلغ 11 مليار طن متري في عام 1994. وتشير بيانات المسح إلى زيادة إنتاج الأسمنت على مستوى العالم بمقدار ثلاثة أضعاف من 1.37 مليار طن متري عام 1994 إلى 3.7 مليار طن متري في 2012، وهو ما يرجعه برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى النمو الاقتصادي السريع في آسيا. ويفيد التقرير بأن الصين بمفردها قامت ببناء 90 ألف ميل من الطرق في عام 2013، كما ارتفع طلبها على الأسمنت بنسبة 437.5 في المائة خلال 20 عاما.

إنشرها