عودة التضخم لأسعار الأراضي .. ما الحل؟
أنهت السوق العقارية المحلية نشاطها خلال 2018 على انخفاض سنوي في إجمالي قيمة صفقاتها وصلت نسبته إلى 36.4 في المائة، وانخفاض بنسبة أعلى بلغت 67.6 في المائة مقارنة بذروة نشاط السوق خلال 2014، تزامن التغير مع تلك التطورات في مستويات أسعار القطاع السكني تحديدا، خلال الفترة 2014 ــ 2018 على النحو التالي: انخفاض متوسط أسعار الشقق السكنية بنسبة 19.4 في المائة، ثم انخفاض متوسط أسعار الفلل السكنية بنسبة 30.2 في المائة، وأخيرا انخفاض متوسط سعر المتر المربع للأراضي السكنية بنسبة 32.4 في المائة.
وعلى الرغم من نسب الانخفاض المبينة أعلاه؛ إلا أن مشكلة صعوبة تملك المساكن والأراضي، استمرت وإن بصورة أقل حدة من السابق، كونها ما زالت في مستويات سعرية عالية بعيدة المنال عن أغلب شرائح المجتمع، كانت قد وصلت أسعارها خلال الفترة 2006 ــ 2014 إلى مستويات تاريخية غير مسبوقة، راوح القفز القياسي لمستويات أسعار مختلف الأصول العقارية السكنية خلال تلك الفترة بين ستة وعشرة أضعاف، نتيجة لترسب أشكال واسعة من تشوهات السوق العقارية خلال تلك الفترة الماضية، لعبت أدوارا حاسمة في تضخم الأسعار، وصناعة "فقاعة سعرية" في السوق، التي تعني: الارتفاع الحاد والمستمر في سعر أصل أو مجموعة من الأصول، مع توقعات باستمرار ذلك الارتفاع إلى درجة تجتذب مشترين جددا بهدف تحقيق أرباح من إعادة بيعها، عوضا عن استغلالها أو تحقيق عوائد من استثمارها.
آتت نتائجها البالغة الضرر اقتصاديا واجتماعيا من عاملين رئيسين بين ثلاثة عوامل رئيسة يتسبب وجودها في صناعة فقاعة سعرية في أي سوق: العامل الأول ــ عدم تماثل معلومات السوق لدى أطرافه كافة. العامل الثاني ــ زيادة تدفق رؤوس الأموال الباحثة عن فرص مجدية للاستثمار والمتاجرة. فيما لم يكن للعامل الثالث ذلك الأثر الملموس إبان تلك الفترة الماضية، والمتمثل في الزيادة المفرطة في إيجاد الائتمان المحلي، والذي يمثله في حالة السوق العقارية "التمويل العقاري".
اصطدمت السوق العقارية لاحقا بعديد من التطورات والمتغيرات القوية، التي أسهمت مجتمعة في وقف التصاعد المبالغ فيه للأسعار، ابتدأت مع منتصف 2014 الذي شهد تراجعا حادا لأسعار النفط، ثم بدء مؤسسة النقد العربي السعودي تنفيذ ضوابط مشددة للتمويل العقاري مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، تلت ذلك التوصية بإقرار الرسوم على الأراضي البيضاء داخل المدن والمحافظات في منتصف آذار (مارس) 2015، ولم يمض وقت طويل حتى أقر مجلس الوزراء لنظام الأراضي البيضاء رسما سنويا 2.5 في المائة من قيمة الأرض قبل نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) من 2015، وفي منتصف 2016 أقر مجلس الوزراء اللائحة التنفيذية للنظام، التي منحت وزير الإسكان صلاحية تجاوز بعض المراحل والانتقال إلى أخرى، وبدأ بعدها تنفيذ المرحلة الأولى من نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، ولا يزال النظام متوقفا عند تلك المرحلة حتى تاريخه.
وتذكيرا بمراحل تطبيق نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، وفقا لما ورد في اللائحة التنفيذية للنظام، تبدأ مراحل تطبيق الرسوم على الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني للمدن والمحافظات، من المرحلة الأولى: الأراضي غير المطورة بمساحة عشرة آلاف متر مربع فأكثر، والواقعة ضمن النطاق الذي تحدده الوزارة. ثم المرحلة الثانية: الأراضي المطورة العائدة لمالك واحد في مخطط معتمد واحد، ما دام مجموع مساحتها يزيد على عشرة آلاف متر مربع. ثم المرحلة الثالثة: الأراضي المطورة العائدة لمالك واحد في مخطط معتمد واحد، ما دام مجموع مساحتها يزيد على خمسة آلاف متر مربع. وأخيرا المرحلة الرابعة: الأراضي المطورة العائدة لمالك واحد في مدينة واحدة، ما دام مجموع مساحتها يزيد على عشرة آلاف متر مربع. ووفقا للنظام واللائحة التنفيذية؛ إذا لم تنطبق مرحلة معينة على أي من المدن، أو لم تكف الأراضي ضمن مرحلة معينة لتحقيق التوازن المطلوب بين العرض والطلب، فيجوز ــ بقرار من الوزير ــ تجاوز تلك المرحلة والانتقال إلى المرحلة التالية.
ماذا حدث بعد كل ذلك؟ حدث أن طرأ تحول جذري في العوامل المؤثرة في السوق العقارية المحلية خلال الجزء الأخير من عام 2018، ومنذ مطلع العام الجاري، انعكست آثارها بشكل ملموس وقوي على أداء السوق العقارية، وعلى أسعار الأراضي تحديدا بعودتها إلى الارتفاع مرة أخرى، وبصورة أسرع مما كان متصورا، الذي يمكن حصره في أمرين رئيسين: الأول ــ ضخ التمويل العقاري في يد الأفراد بصورة قياسية، تجاوز حجمها حتى نهاية أيار (مايو) الماضي سقف 27 مليار ريال، شكلت نحو 47.2 في المائة من إجمالي قيمة صفقات القطاع السكني للفترة نفسها من العام الجاري، مقارنة بنسبها التي لم تتجاوز 29.2 في المائة خلال 2018، ونحو 14.3 في المائة خلال 2017، ونحو 10.9 في المائة خلال 2016. الأمر الثاني- توقف تنفيذ بقية مراحل نظام الرسوم على الأراضي البيضاء كما نص عليه النظام واللائحة التنفيذية.
هنا عاد متوسط أسعار الأراضي السكنية تحديدا للصعود مرة أخرى، مسجلا نموا حتى منتصف العام الجاري، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وصل إلى أعلى من 23.3 في المائة، وحسبما تظهر مؤشرات أداء السوق العقارية وفقا للبيانات الصادرة عن وزارة العدل، أصبحت متوسطات أسعار الأراضي السكنية قريبة من مستوياتها في 2016، ويتوقع في ظل استمرار الأوضاع الراهنة على ما هي عليه "استمرار ضخ مزيد من التمويل العقاري، وفي الوقت ذاته توقف تنفيذ بقية مراحل نظام الرسوم على الأراضي البيضاء"، أن تستمر وتيرة الارتفاع في أسعار الأراضي السكنية، وبكل تأكيد ستتجاوز مستوياتها القياسية التي وصلت إليها في 2014، وسينتقل تأثير ذلك الأسعار السوقية لبقية الأصول العقارية السكنية "شقق، فلل، عمائر"، وهو ما يعني عودة مشكلة صعوبة تملك المساكن والأراضي إلى ما قبل المربع الأول منها، وتطلبا أكبر لضخ مزيد من التمويل العقاري في يد الأفراد، وارتفاع حجم الديون العقارية لمدد طويلة الأجل على كاهلهم، الذي ستكون له آثاره العكسية في الأداء الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي.
هل من حل لهذه التطورات اللافتة التي جاءت محققة لانتعاش السوق العقارية فقط على حساب مزيد من التحديات في جانب معالجة صعوبة تملك المساكن والأراضي وهما أمران متعاكسان في الاتجاه؟ الإجابة نعم يوجد عديد من الحلول القابلة للتنفيذ، لعل أهمها وأولها العودة العاجلة لتنفيذ بقية مراحل نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، قبل أن تتصاعد التحديات التنموية في هذا الجانب الحيوي المهم، وهو ما سيأتي استكمال الحديث عنه في المقال القادم بمشيئة الله تعالى. والله ولي التوفيق.