«الإنترنت» والتقنية ونظم المدفوعات «2من 3»
يربط المستخدمون ملفاتهم الشخصية بحساب مصرفي أو بطاقة في نهاية كل معاملة وببساطة يرسلون النقود لبعضهم بعضا من أي مكان في العالم. وترى المعاملات عبر "بيتكوين"، لكن لا يحتاج المستخدم إلى معرفة كيفية تنفيذها. وإذا لم يكن المتلقي مشتركا في نظام بيتكوين، يمكنه أن يحصل على النقود من خلال محفظة رقمية أخرى، تطبيقات تسمح بتخزين "بيتكوين" أو أي عملة أخرى في هاتف ذكي، أو من شباك موظف في إحدى شركات تحويل الأموال مقابل رسم زهيد، شريطة أن تكون هذه الشركات هي أيضا من المتعاملة في "بيتكوين".
ويقول جيريمي ألير، المسؤول التنفيذي الأول في شركة سيركل Circle "إنها مثل الرسالة عبر البريد الإلكتروني، فأنت لا تهتم بمعرفة مسار الرسالة عبر شبكة الإنترنت".
ويشرح كيف كانت المربية الفلبينية لديه في كاليفورنيا تنفق نحو 50 دولارا مقابل كل تحويل إلى موطنها بينما أصبحت الآن تدفع مبلغ 0.75 دولار، لمجرد أن أسرتها في الطرف الآخر من المعاملة لا تستخدم "سيركل". ونتيجة لتنفيذ المعاملات بسرعة بالغة، فإن التقلب المعروف عن "بيتكوين" لا يمثل أي مشكلة في واقع الأمر. وتجمع "سيركل" بين الطبيعة الرقمية المقبولة وبعض المميزات الحقيقية القديمة الجيدة. إنها مسجلة كمؤسسة تقدم خدمات مالية، ما يسمح لها بتقديم كثير من الخدمات المصرفية، ما عدا إقراض واستثمار أموال العملاء، وتتمتع بحماية حكومة الولايات المتحدة لودائعها. وأصبحت أخيرا مرخصة في المملكة المتحدة وأسست علاقة شراكة مع بنك باركليز.
وكحال كثير من مديري الشركات المبتدئة في أوائل أيام الإنترنت، فإن ألير، الذي تمتلئ خزائنه بأموال أصحاب رأس المال المخاطر، ليس قلقا من مسألة الربحية في الأجل القصير. ويقول "إن شركتنا تدخل في سوق تولد إيرادات تصل إلى تريليونات الدولارات في السنة لمصارف الخدمات الفردية، وهناك أقسام هائلة للغاية من حصة السوق التي ستدمرها أو يتسنى الوصول إليها باستخدام المنتجات المصرفية الرقمية، فلم يكن النجاح حليف كثير من الشركات في مطلع "الألفيات" لأنها كانت تركز بدرجة كبيرة على كسب العملاء وتركز بدرجة طفيفة على تنقيدهم؟
«ويضيف قائلا "وبين أكبر شركات الإنترنت، بدأ جميعها بالتركيز دون هوادة على تقديم خدمات مجانية للعملاء وهو ما حقق قيمة كبيرة للعملاء. وقدمتها لسنوات عديدة حتى أصبح لها تأثير كبير".
الحصول على مكافأة في "بيتكوين" ومن ثم يطلق على المتنافسين في استكمال الكتل "عمال المناجم" miners ومن ثم تجمع "بيتكوين" بين منهج النظراء وأمن التشفير، فأصبحت أول عملة رقمية ناجحة، بعد عدة عقود من تجارب لم يكتب لها النجاح.
إذا ما مدى أهميتها؟ يشرح لنا هذه المسألة مارك أندريسن، وهو أمريكي صاحب مشاريع، على النحو التالي، تمنحنا "بيتكوين" لأول مرة وسيلة يستطيع من خلالها مستخدم واحد لشبكة الإنترنت تحويل قطعة فريدة من الملكية الرقمية إلى مستخدم آخر للشبكة، ومن أجل ضمان أمن وسلامة التحويل، يعرف الجميع بإجراء هذا التحويل، ولا أحد يستطيع أن يطعن في شرعية هذا التحويل. وذكر في مقال نشر في جريدة" نيويورك تايمز" في كانون الثاني (يناير) 2014 إنه "لا يسعنا المبالغة في عواقب هذا الإنجاز".
وكان أندريسن أحد رواد شبكة الإنترنت، وهو مخترع أول متصفح واسع الاستخدام على الشبكة، فأسس "نتسكيب" في عام 1993 بينما كان لا يزال طالبا جامعيا. ويدير الآن أندريسن هوروويتز، واحدا من أكثر صناديق رأس المال المخاطر المؤثرة في سيليكون فالي. ويحقق أصحاب رأسمال المخاطر مكاسبهم بالبحث عن الشيء الكبير التالي حتى قبل أن يكون شيئا. وكان أندريسن وكثيرون غيره من أصحاب رأسمال المخاطر هم الذين قدموا التمويل لمؤسسي الإنترنت وهم كما نعلم الذين يراهنون الآن على "بيتكوين" وتكنولوجيا "بلوكتشين" التي تقوم عليها.
ويرون أن هذه التكنولوجيا إنجاز يمكن أن يحقق مستوى الثقة نفسه الذي تتميز به المعاملات النقدية بين مشاركين غير معلومين ومنفصلين ماديا. ويتوقع البعض أن هذه القدرة على إلغاء دور الوساطة لأي طرف ثالث موثوق بها، وسيكون أكثر تطورات التكنولوجيا المدمرة منذ مجيء الإنترنت. وتدل المغالاة في استخدام كلمة مدمرة على تكنولوجيا جديدة تهز أركان، أو حتى تدمر، نماذج العمل التقليدية. ولنفكر مثلا في "أمازون" ومحال بيع الكتب، أو "أوبر" وسيارات الأجرة.
إن تدمير الصناعة المالية، وهي أكثر مجالات الأعمال تنظيما في العالم، مسألة مختلفة تماما. إنه أمر ممكن، بل حتى مرغوب فيه، كما كتب مارتن وولف في جريدة "فاينانشيال تايمز" أخيرا، بالنظر إلى عديد من أوجه القصور في هذه الصناعة، لكنها معقدة للغاية من جميع جوانبها، القانونية وعلى مستوى المالية العامة والقطاع المالي والعمليات.