نمو الطلب على الغاز
أصدر مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية أخيرا ورقة عن نمو الطلب العالمي على الغاز الطبيعي. وتركز الورقة على العوامل الرئيسة التي مكنت الغاز الطبيعي من احتلال رأس قائمة نمو الطلب بين مصادر الطاقة العضوية. وتحدد الورقة القطاعات التي توفر مصادر نمو الطلب كمجالات توليد الطاقة وصناعة البتروكيماويات والنقل البحري والبري في أعضاء منظمة دول التعاون والتنمية وباقي العالم، أو الدول الأخرى غير الأعضاء في المنظمة التي تتشكل في معظمها من العالم النامي، بما في ذلك تطورات استهلاك الغاز الطبيعي في الصين والهند. وتوضح الورقة دور الدعم الحكومي الموجه لأغراض بيئية في زيادة الطلب على الغاز الطبيعي الذي سيرفع نصيبه في خليط عناصر الطاقة العالمي مع مرور الوقت.
بعد الأزمة المالية العالمية في 2008 تراجعت معدلات استهلاك الطاقة بعض الشيء دون معدلاتها التاريخية حتى 2016، أما عام 2017 فقد شهد ارتفاعا في معدل نمو استهلاك الطاقة إلى 1.9 في المائة، وهو معدل قريب من معدل نمو الطلب على الطاقة طويل الأجل. ومن المتوقع استمرار نمو استهلاك الطاقة حتى عام 2040 على الرغم من تباطؤ معدلات النمو الاقتصادي خلال العقدين المقبلين. من جهة أخرى سيستمر نمو حصص الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية خصوصا الصين والهند اللتين تمثلان ثقلا متزايدا في استهلاك الطاقة العالمي.
ارتفع الطلب على الغاز الطبيعي خلال السنوات الماضية بوتيرة أسرع من ارتفاع أنواع مصادر الطاقة العضوية الأخرى، ما أدى إلى زيادة حصته في خليط الطاقة العالمي. وقد نمت حصة الغاز الطبيعي من 21.7 في المائة في 2006 إلى 23.6 في المائة من إجمالي استهلاك الطاقة العالمي عام 2017. وسيتزايد الطلب على الغاز الطبيعي خلال الأعوام المقبلة ليتجاوز استهلاك الفحم الحجري في 2035. بعد ذلك تستشرف بعض المصادر المتخصصة أن يصل استهلاك الغاز الطبيعي إلى 27 في المائة من استهلاك الطاقة عام 2040 لينافس النفط على قائمة مصادر الطاقة.
أتى معظم نمو الطلب خلال السنوات الماضية من الدول غير الأعضاء في منظمة دول التعاون والتنمية، حيث أسهم نمو استهلاكها بنحو 80 في المائة من زيادة الطلب خلال الفترة الماضية وسيسهم بالنسبة نفسها خلال السنوات المقبلة. وجاء 30 في المائة من زيادة الطلب خلال الفترة 2006 ــ 2017 من نمو استهلاك ثلاث دول شرق أوسطية من بينها المملكة. ولم يتراجع استهلاك الغاز الطبيعي في مناطق العالم خلال هذه الفترة إلا في أوروبا التي شهدت مزاحمة قوية له من مصادر الطاقة البديلة وتراجعا عاما في استهلاك الطاقة. وسيأتي نمو الطلب على الغاز الطبيعي بسبب إحلاله بشكل تدريجي محل الفحم الحجري في الدول غير المنضوية في منظمة دول التعاون والتنمية. وسيجيء نمو الطلب أيضا نتيجة لزيادة مستويات التصنيع في باقي العالم ونمو العالم النامي السكاني. وتجاوزت حصة الدول خارج المنظمة نصف الاستهلاك العالمي من الغاز أخيرا، وستستمر زيادة حصة هذه الدول في العقود المقبلة.
يستهلك قطاع توليد الطاقة والقطاع الصناعي خصوصا صناعة البتروكيماويات معظم الغاز الطبيعي أو ما يقارب 40 في المائة من الاستهلاك العالمي لكل منهما، بينما يأتي استهلاك الغاز في المساكن في مرتبة أقل، أما قطاع المواصلات فيستهلك حاليا جزءا يسيرا من المجموع الكلي لا يتجاوز 1 في المائة. وقد جاء معظم نمو الطلب على الغاز الطبيعي في السنوات الماضية من قطاع توليد الطاقة الكهربائية، ولكن ازدياد منافسة مصادر التوليد المتجددة ورخص الفحم الحجري سيحدان من نمو استخدام الغاز الطبيعي لهذا الغرض في السنوات المقبلة. وسيأتي النمو مستقبلا نتيجة لارتفاع طلب القطاعات الصناعية الناتج بشكل رئيس من زيادة إنتاج البتروكيماويات والبلاستك والأسمدة، وتزايد طلب قطاع المواصلات الذي سيتأثر بمجموعة السياسات المحفزة لزيادة استهلاك الغاز الطبيعي على باقي أنواع الطاقة العضوية لأسباب بيئية خصوصا في العالم النامي. ومن المتوقع أن يتضاعف استهلاك قطاع المواصلات ثلاث مرات مستواه الحالي في 2040.
لم تتطرق الورقة كثيرا إلى نمو الطلب على الغاز الطبيعي في المملكة خلال الأعوام المقبلة ولكنها أشارت بوجه عام إلى منطقة الشرق الأوسط. ومن المتوقع أن يتزايد الطلب على الغاز الطبيعي خلال السنوات المقبلة في المملكة التي تستهلك إنتاجها من الغاز الطبيعي ولكنها تصدر سوائل الغاز الأغلى ثمنا. وسيتركز نمو طلب المملكة من الغاز مستقبلا على قطاعات توليد الطاقة وذلك لإحلاله محل النفط ومنتجاته، وفي القطاع الصناعي وخصوصا صناعة البتروكيماويات. أما القطاع السكني فيستهلك كميات محدودة من سوائل الغاز تقل كثيرا عن استهلاكه في الدول الصناعية لأسباب هيكلية. ولا تتوافر أي دلائل أو بيانات تشير إلى استهلاك قطاع المواصلات للغاز الطبيعي في المملكة ما يشير إلى أنه شبه معدوم. ولمواجهة الطلب المتزايد مستقبلا ترتفع ضرورة تحفيز زيادة أنشطة البحث والتنقيب عن الغاز وزيادة إنتاج المملكة من الغاز الطبيعي وتبني السياسات الداعمة لهذه الجهود بما في ذلك مراجعة أسعار الدعم لبعض القطاعات الصناعية.