صندوقنا السيادي .. إنجازات نحو القمة
قبل انطلاقة هذا العهد الزاهر للمملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، لم تكن المملكة تولي الاستثمار السيادي كثيرا من الأولوية، خاصة مع وجود مؤسسة النقد، التي كانت تتبوأ مكانة كبيرة بين البنوك المركزية العالمية، كما أن الاعتماد الاستراتيجي على النفط، والاستثمار في ذلك المنتج، قد حصل على أولوية تامة في التخطيط الاستثماري للمملكة، وهذا الاتجاه أفقد المالية السعودية كثيرا من المرونة في مواجهة تقلبات أسواق النفط، وأيضا الإسهام بفاعلية في النمو الكبير الذي تحققه الصناعات غير النفطية، ومن ذلك الصناعات التكنولوجية، وبالفعل كانت المملكة في موقف المراقب بشأن كل ما يحدث على الساحة الاستثمارية العالمية، بل كانت منافسة الاقتصاد السعودي على جذب الاستثمارات العالمية والمنافسة عليها في مراكز متأخرة. لكن هذا الوضع تغير تماما مع بداية عهد الملك سلمان المجيد، فكان برنامج "التحول الوطني" ضمن برامج "رؤية المملكة 2030" يضع المنافسة على الفوز بحصص قوية في الاستثمارات العالمية أولوية مهمة، وجاء صندوق الاستثمارات العامة ليكون ذراعا استثمارية للحكومة السعودية، وليصبح بالفعل أول صندوق سيادي فعال، وله صلاحيات واسعة في اختيار الاستثمارات التي تحقق أفضل العوائد بعيدا عن قيود السياسة المالية التي تفرض على مؤسسة النقد تحفظا عند اتخاذ القرار الاستثماري، ولفرض أعلى مستويات من الحوكمة الجيدة ومراقبة عملية صنع القرار، صدر الأمر بشأن تولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، رئاسة مجلس إدارة هذا الصندوق.
تشير التقارير العالمية إلى قفزة عملاقة في المملكة في هذا المسار، فقد حقق صندوق الاستثمارات العامة المرتبة العاشرة بين أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم، حسب مسح أجراه معهد صناديق الثروة السيادية حول العالم، المتخصص في هذا الشأن، وذلك عام 2018 أي بعد مضي أقل من ثلاث سنوات فقط على انطلاقة خطة "التحول الوطني" و"رؤية المملكة 2030"، التي وضعت هدفا للصندوق أن يصبح أكبر صندوق سيادي في العالم برأسمال يصل إلى تريليوني دولار، وحافظ الصندوق على مركزه المتقدم مع آخر تقرير نشره المعهد.
من الصعب إدراك حجم الإنجاز الذي تحقق في هذه الفترة الوجيزة جدا، ما لم تتم الإشارة إلى أنه في نهاية عام 2015، كانت أصول صندوق الثروة السيادي السعودي تبلغ 152 مليار دولار "570 مليار ريال"، وكان يحتل بها المرتبة الـ 31 عالميا، واليوم تبلغ أصول الصندوق 320 مليار دولار "1.2 تريليون ريال"، وقفز إلى المرتبة العاشرة، أي أن أصول الصندوق قفزت بنسبة 111 في المائة، بقيمة 168 مليار دولار خلال أقل من ثلاث سنوات ونصف السنة، وتقدم 21 مركزا، ويقترب من تحقيق المستهدف في برنامج «التحول الوطني»، وهو أن تبلغ أصوله 400 مليار دولار "1.5 تريليون ريال" بحلول عام 2020.
هذا الإنجاز الكبير الذي تحقق لصندوق الاستثمارات العامة، ليس فقط في قفزاته الكبيرة في تعزيز أصوله، بل الواقع الاقتصادي في المملكة يشير إلى أن الحراك الاقتصادي الشامل في المملكة إنما يتم من خلال هذه الأصول التي يدرها الصندوق. فلقد انطلقت مشاريع الخير في شمال المملكة مع مدينة نيوم وتنمية العلا، وكذلك مشاريع البحر الأحمر، والمشاريع العملاقة في الرياض والمدينة المنورة، وغيرها كثير. فالأصول الاستراتيجية للصندوق تهدف إلى تعزيز الدخل للمالية العامة من خلال الاستثمار الصحيح خارج البلاد وداخلها، وهو ما سينتهي في نهاية المسار إلى تنمية شاملة، وصلابة في المالية العامة، تقاوم بها تقلبات الاقتصاد العالمي وأسعار النفط.