تجاوز الصعاب في الهند «1 من 3»
لم تكن راديكا بابوراو شينداي قد تجاوزت عامها الـ 12 عندما تم تزويجها من رجل يكبرها بعشر سنوات. وقد تم إرسالها للعيش بعيدا مع زوجها الجديد، الذي يعمل سائق شاحنة، وعائلته في مقاطعة ساتارا النائية، وهي إحدى المقاطعات المعرضة للجفاف، والتي تقع على مسافة 330 كيلومترا جنوب شرق مومباي. وتخلت عن دراستها للعمل في المزرعة التي تمتلكها عائلة زوجها.
وعندما أنجبت شينداي أطفالها ــ بنتا وولدين ــ أرادت لهم حياة أفضل. وفي مختلف قرى الهند التي يعيش فيها نحو 833 مليون شخص على أقل من 3.20 دولار يوميا، عادة ما يقع على عاتق النساء مثل شينداي عبء رعاية الأطفال وضمان توفير ما يكفيهم من الغذاء.
وفي عام 2014، لاحت أمام شينداي فرصة ساعدتها في كسر دائرة الفقر. فقد جاء إلى قريتها موظفو مؤسسة مان ديشي التي تعمل في مجال تعليم النساء الريفيات مهارات التجارة وإقراضهن الأموال، وقدموا برامج للتدريب على مهن مختلفة مقابل رسوم رمزية. واجتازت شينداي دورة تدريبية مدتها 120 ساعة في التفصيل واكتسبت المهارات اللازمة لبدء مشروع صغير لتقديم خدمات التفصيل لجيرانها إلى جانب عملها في المزرعة. وساعدها ذلك على كسب ما يعادل خمسة دولارات شهريا لإنفاقها على أطفالها ــ وهو مبلغ كبير بالنسبة لمنطقة يقل فيها متوسط دخل الأسرة عن 70 دولارا أمريكيا. ولكن عائلة زوجها لم تكن سعيدة بذلك، حيث أرادت ألا يشغلها مشروعها الجديد عن عملها في المزرعة.
وتتذكر شينداي قائلة "كانت هناك شجارات كثيرة، ولكنهم وافقوا في نهاية الأمر".
تعد مؤسسة مان ديشي التي تديرها مجموعة من النساء وتأسست في تسعينيات القرن الماضي واحدة من عدة منظمات تسعى إلى كسر الحواجز الاجتماعية والقانونية والاقتصادية التي تواجه أصحاب المشاريع من النساء في الهند. وعلى الرغم من النمو السريع المحقق، لا تزال الفروق الكبيرة بين الجنسين في مجال الأنشطة الاقتصادية مستمرة وراسخة. ونتجت عن ذلك خسائر فادحة في الإمكانات البشرية أدت إلى إعاقة الجهود الهادفة إلى الحد من الفقر في ثاني أكبر بلد في العالم من حيث عدد السكان.
وربما من أوضح علامات الأوضاع المزرية التي تعيشها المرأة الهندية نسبة مشاركتها في القوى العاملة، حيث بلغت 27 في المائة فقط في عام 2017، أي نحو ثلث نسبة مشاركة الرجال. ويأتي الهند في المرتبة رقم 120 من بين 131 بلدا وفقا لهذا المؤشر، وذلك حسب بيانات البنك الدولي. وحال أصحاب المشاريع من النساء ليست أفضل كثيرا. فنحو 14 في المائة فقط من النساء في الهند يمتلكن أو يدرن مشاريع، وذلك حسب التعداد الاقتصادي السادس الصادر في عام 2014. كذلك فإن أكثر من 90 في المائة من الشركات التي تديرها النساء عبارة عن مشاريع متناهية الصغر، كما أن نحو 79 في المائة منها تعتمد على التمويل الذاتي.
وتبلغ مساهمة النساء في إجمالي الناتج المحلي في الهند 17 في المائة فقط، أي أقل من نصف المتوسط العالمي، وذلك حسبما ذكرته أنيت ديكسون، نائب رئيس البنك الدولي لجنوب آسيا في كلمة لها في آذار (مارس) من العام الماضي. وأضافت أنه حسب التقديرات، فإن مشاركة نصف النساء الهنديات في القوى العاملة ستؤدي إلى ارتفاع المعدل السنوي للنمو الاقتصادي بمقدار 1.5 نقطة مئوية فقط ليصل إلى نحو 9 في المائة.
ويرتب التقرير العالمي للفجوة بين الجنسين لعام 2018 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي 149 بلدا حسب أربعة مقاييس: المشاركة والفرص في المجال الاقتصادي، ومستوى التحصيل الدراسي، والصحة والبقاء، والتمكين السياسي. ويأتي الهند في المرتبة رقم 108 حسب جميع هذه المقاييس، مع تراجع ترتيبها للغاية حسب مقياسين، هما الصحة والبقاء، والمشاركة الاقتصادية.
لذلك من غير المستغرب أن يأتي الهند في مرتبة متأخرة كذلك حسب مؤشرات ريادة الأعمال، حيث بلغ ترتيبه 52 من بين 57 بلدا حسب مؤشر ماستركارد لأصحاب المشاريع من النساء لعام 2018، ليأتي بذلك قبل إيران وبعد تونس. ويقيس هذا المؤشر توافر الخدمات المالية، ونتائج النهوض بالأوضاع، وسهولة ممارسة أنشطة الأعمال، وغير ذلك.
وتقول أبارنا ساروجي، المؤسس المشارك لمؤسسة ريادة الأعمال النسائية وتمكين المرأة Women Entrepreneurship and Empowerment "غالبا ما توجد ضغوط ومعارضة من داخل الأسرة بسبب القوالب المجتمعية التي تجبر النساء على رعاية المنزل بوصفها مسؤوليتها الأساسية. كذلك لا توجد نظم كافية لدعم خدمات رعاية الأطفال، ما يمنع المرأة من تحقيق أهدافها".
وتوجد معوقات أخرى. فالمرأة في الهند نادرا ما تكون لديها أي ممتلكات يمكن استخدامها كضمان للحصول على قروض لبدء المشاريع، كما أن مستوى تحصيلها الدراسي أقل من الرجال في المتوسط، وتحصل في حالة عملها على أجور أقل من أقرانها من الرجال، وتتركز عادة في الوظائف منخفضة المهارات في قطاعي الزراعة والخدمات، وغالبا ما تكون في القطاع غير الرسمي.
ويعد عدم تكافؤ الفرص في الحصول على التمويل من المعوقات الرئيسة التي تواجه رواد الأعمال الطموحين الذين يحتاجون إلى رأس المال لبدء المشاريع، حتى الصغيرة منها. يتبع (...).