مستقبل الشركات العائلية ومقاليد الإدارة

أدت الإصلاحات التي شهدتها الصين قبل 40 عاما إلى مزيد من الانفتاح والنمو في قطاع ريادة الأعمال. وتوقع مؤسسو الشركات العائلية حينذاك، أن يبدأ أبناؤهم العمل في المصانع والشركات في وقت مبكر. لكن مع إدخال سياسة الطفل الواحد في عام 1979 دخل قلة منهم في قطاع الأعمال العائلية. وعلى الرغم من إلغاء الحكومة لسياسة الطفل الواحد بشكل تدريجي، لتدخل سياسة الطفلين حيز التنفيذ في عام 2015، إلا أن عديدا من أصحاب الشركات والمديرين في الصين قد لا يكون لديهم سوى ابن واحد يتولى مهمة إدارة الشركة من بعدهم. ونتيجة لذلك، فإن مهمة الجيل الثاني في الصين تعد حاسمة بشكل أكبر من باقي الدول.
لا يواجه أصحاب الشركات العائلية في دول آسيا الأخرى هذه المشكلة، وهناك أسماء شهيرة بالغت في إنجاب عدد كبير من الأولاد من عدة زواجات. على سبيل المثال "ستانلي هو" أغنى شخص في ماكاو وبين أثرياء آسيا، لديه 17 طفلا من أربع زواجات. وفي السنوات الأخيرة، وزع قطب الأعمال المريض البالغ من العمر 95 عاما إدارة أعماله على أولاده. وليس من المستغرب أن تواجه عملية توزيع أصول العائلة بعض المشكلات القانونية، وإن تسبب ذلك في حالة من الفوضى.
لا يواجه أصحاب الشركات العائلية في الصين تلك المشكلة بسبب سياسة الطفل الواحد، فلا يوجد داع للقلق حول حصول نزاعات. ولكن من جهة أخرى يجب أن يفكروا بعناية حول خططهم على المدى الطويل الأمد، وكيفية تعليم أبنائهم المهارات الضرورية لإدارة أعمال العائلة.
حسب سياسة الطفل الواحد في الصين خاصة في مناطق الأقاليم، قد يتعارض حلم الابن أو الابنة مع رغبات العائلة مؤسسي الشركة. فلماذا قد يرغبون في إدارة شركة في الأقاليم، في حين بإمكانهم السعي خلف أحلامهم والعمل في شنغهاي أو بكين أو في الخارج؟
لكن الثقافة في الصين استطاعت التكيف مع سياسة الطفل الواحد، من خلال إتاحة مزيد من الخيارات أمام المرأة. ففي ظل غياب الابن، قد يكون مؤسس الشركة أكثر انفتاحا على تسليم الابنة مسؤولية الشركة. إضافة لذلك، غالبا ما يخصص المؤسسون موارد مالية أكبر لمصلحة تأمين مستوى تعليم أفضل لأبنائهم أو بناتهم.
فبعد التخرج من المدرسة، قد يحصل الابن الوحيد أو الابنة على منحة في الخارج لبرنامج تدريب مدفوع النفقات، وفي مجال مرتبط بالقطاع الذي تعمل فيه الشركة. ولا تزال الصين في مقدمة الدول من حيث عدد الطلاب الذين يدرسون في الخارج؛ حيث وصل عددهم إلى 500 ألف في عام 2015، أغلبهم مدعومون ماديا من أسرهم.
ولكن في المقابل عادة ما يفاجئ الوريث الوحيد عائلته بعدم رغبته في المشاركة في أعمال الشركة مباشرة.
أظهر نحو نصف الطلاب الصينيين الذين أتموا دراستهم في الخارج، رغبتهم في العمل في المناطق الحضرية مثل بكين وشنغهاي وقوانجتشو وشنتشن. تقدم ما يقارب الثلث إلى وظائف في شركات متعددة الجنسيات. وإدراكا منهم لخطر عدم رغبة أبنائهم في العودة إلى مجتمعاتهم المحلية لإدارة أعمال العائلة بعد عودتهم من الخارج، يضغط عديد من المؤسسين على الحكومة الصينية لتطوير المؤسسات التعليمية لمنافسة نظيراتها في الخارج.
ومع ذلك، في حال نجح مؤسسو الشركات العالية في غرس روابط قوية بين أفراد العائلة، سيشعر الأبناء بضغوط أقل، وقد يميلون للعودة وتولي أعمال العائلة.
لا يتسلم الجيل الجديد في الصين مهمة إدارة الأعمال بسهولة، فغالبا ما يمتلك المؤسسون الحكمة لتعليم أبنائهم. فمن خلال تعليم الأبناء كيفية تجميع مدخراتهم ضمن إطار العائلة، يستطيع الأهل التمييز بين انقسام العائلة أو ترابطها.
ومع دخول المؤسسين مرحلة التقاعد، يجنون ثمار جهودهم التي تنعكس في التخطيط على المدى الطويل. فمع وجود خطة واضحة للتعاقب على إدارة الشركة، سيعم الانسجام والسلام في العائلة؛ ما سينعكس بدوره إيجابا على نمو الأعمال. ومع ذلك، يجب على المؤسسين مكافحة التحيز والامتثال لجانب واحد بشكل أعمى؛ بحيث يتسبب الورثة في ضياع فرص النمو والأفكار المبتكرة.
تركت سياسة الطفل الواحد أمام المؤسسين خيارات محدودة للتعاقب على إدارة الأعمال؛ ما يفسر شروع بعض العائلات في الصين في وضع خطط مسبقة. وعلى الرغم من أوجه القصور في ذلك، يحرص عديد من المؤسسين على توفير الجهد والوقت لتوفير التعليم والتدريب اللازمين للجيل الجديد لضمان أعلى معايير المهنية. وبذلك يعطون ورثتهم الحوافز والمهارات اللازمة لتولي إدارة كل من الأعمال والعائلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي