Author

عندما تخرج «أرامكو» لتتسوق «4»

|

حصلت "أرامكو" على تصويت هائل بالثقة، بأن وضع تحت تصرفها 100 مليار دولار، ليس هذا فقط بل بأسعار تفضيلية عن سعر الدين السيادي، مع ميل المستثمرين إلى تفضيل شراء فئات السندات ذات الآجال الطويلة. وندرك أن هذا التصويت على الثقة هو تصويت ناف للجهالة، إذ أتى بعد أن بينت نشرة طرح السندات تفاصيل التفاصيل عن الشركة، بما فيها القوائم المالية. ولا يتسق القول إن هذا التصويت مرتكزه المخزون النفطي، بل لعل الأدق هو القول إنه الثقة بإدارة "أرامكو" هذه الثروة، بناء على سجل أداء متميز دام عقودا، ونتمنى أن يستمر عقودا طويلة مقبلة. وهو دون شك لم يكن ليتحقق لولا الحصافة السياسية التي أدير بها هذا المورد لخدمة المملكة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا. ودلالات الأداء المميز للشركة ولحاضنتها شاخصة أمامنا؛ فقد انتقلت الشركة منذ نشأتها الأولى ــ بفضل الله أولا ــ من نجاح إلى نجاح، وتوسعت جغرافيا وتنوعت أنشطتها من استخراج النفط وتكرير القليل منه إلى أن أصبحت تسعى حثيثا لاعتصار القيمة المضافة من كل نقطة نفط، أو هي في طريقها لتحقيق ذلك، ما مكنها من أن تتجاوز الشركات الأمريكية العملاقة التي أسستها في الثلاثينيات من القرن الماضي. ويتضح ذلك من المقارنات التي عقدتها نشرة الإصدار، إذ لم تكن تقارن "أرامكو" ــ ماليا على الأقل ــ بأي شركة منافسة بل بأكبر الشركات المنافسة مجتمعة، وتتفوق عليها.
لكن "أرامكو السعودية" هي جزء من هذا الوطن، فهو حاضنها وحصنها، وسياساته الرصينة هي الأساس في تمكين الشركة من أن تختط أفضل الطرق الاحترافية والمهنية لتصبح ما هي عليه الآن. فضلا عن أن محصلة توظيف الحكومة عوائد الثروة النفطية أوجد لنا ما نشاهده اليوم من إعمار لما كان بالأمس "فيافي وقفارا"، وما أوجد أحد أكبر اقتصادات العالم. وليس من شك في أن الإقبال على طرح سندات "أرامكو" هو تأييد لما تسعى المملكة لتحقيقه عبر "رؤية المملكة 2030"، التي أخذنا نرى أن نهجها ليس اقتصاديا محضا، وإن كان للتنويع الاقتصادي نصيب كبير، إلا أن الاهتمام كذلك عظيم بالاستفادة من مقدرات أخرى تمتلكها المملكة، وهي الركائز الثلاث لـ"الرؤية"، التي ترجمت إلى برامج تأخذ البلاد لمستوى أعلى من الإنتاجية والكفاءة، وقد تكفي الإشارة إلى برنامجين اثنين من برامج تحقيق الرؤية هما "تطوير الصناعة والخدمات اللوجستية"، الذي يتوقع أن يؤدي إلى توسع ملحوظ في نشاط منظومة الخدمات اللوجستية التي تمكن المملكة من استثمار موقعها الجغرافي المميز، أما الآخر فهو برنامج تنمية القدرات البشرية، الذي سيحقق ــ بإذن الله ــ نهضة ما بعد النفط القائمة على المكون البشري المنافس قدرة ومهارة.

إنشرها