Author

عندما تخرج «أرامكو» لتتسوق (3)

|

العنوان مناسب كذلك لبيان الحالة عندما تخرج "أرامكو" لتتسوق لتقترض، وطرح الشركة لأداة دين "سندات" لتمويل صفقة شراء 70 في المائة من "سابك"، كان هو السبب خلف إعداد نشرة طرح مسهبة شغلت أسواق المال والصحافة والمحللين في أنحاء العالم، ولا سيما الرأسمالي منه. وكان هذا مدخلا لبيان ضخامة الشركة. أعود وأقول إنها شركة في فئة بمفردها، ليس كمثلها شركة، ولذا نجد أن نشرة الطرح تكرر وتعيد في أكثر من موضع مقارنة "أرامكو" بشركات الطاقة الخمس الكبار سويا! والنقطة هنا أن النشرة جلبت للعالم جزءا من السعودية لم يعرفه من قبل، جزءا يتعلق بشركة عمرها عقود، بنت النجاح على النجاح، وأديرت باحترافية واستقرار، وتجاوزت أزمات وحروبا، وتمكنت من أن تكون صمام أمان اقتصادي ليس فقط لبلدها المملكة، بل لسوق النفط العالمية، ومن خلفه الاقتصاد العالمي. وبعد أن تتمعن في نشرة الطرح، وتأخذ برهة لتتأمل، نجد أن قيمة "أرامكو" تتجاوز الأرقام المالية المبهرة على ضخامتها، فـ"أرامكو" التي تنتج واحدا من كل ثمانية براميل، كما تقول نشرة الطرح، لم تستأثر بتلك القوة، بل وظفتها بتوجيه لاستقرار الاقتصاد العالمي، وليس في ذلك تفريط، بل من باب تفضيل تحقيق الأهداف بعيدة المدى. ولهذا السبب، وهذا السبب تحديدا أصبحت "أرامكو" ما نرى ونسمع. الاحتياطي الكبير واتفاقية الامتياز لا شك أنهما عنصران مهمان، أما العنصر الحرج فهو عنصر غير ملموس على الرغم من أنه لطالما كان الفاصل بين النجاح والفشل، الإدارة الاستراتيجية طويلة المدى، والقصد هنا ليس فقط رسم استراتيجية طويلة المدى، بل كذلك انتهاجها وتطبيقها وتحديثها طوال الوقت. وكما ندرك فالعنصر الأكثر تعقيدا وضبابية في رسم استراتيجية لشركة مثل "أرامكو" هو ليس التعامل مع التحديات التشغيلية، رغم تعقيدها، بل التحديات الخارجية التي ليس للشركة سلطة عليها. وبالنسبة لـ"أرامكو" فقد نجحت في أن تكون جزءا من محيطها الجغرافي وحيزه، ليس فقط عبر توظيف آلاف السعوديين واستقطابهم من المزارع والصحارى في ثلاثينيات القرن الماضي، بل كذلك بالاهتمام بمجتمعاتهم وبتعليمهم وصحتهم. وعلى الرغم من أن شركات أمريكية أسست في الأساس "أرامكو"، إلا أن "أرامكو" كتبت الكتاب فيما يتصل بممارسة المسؤولية الاجتماعية. مارستها للتآلف مع المجتمع الحاضن للشركة، ومارست دورا مسؤولا يتصل بتحقيق تنمية اجتماعية واقتصادية، ولعل حاضرة الشرقية "الدمام ــ الظهران ــ الخبر ــ الثقبة" خير شاهد على ذلك، ودوائر المسؤولية لم تقف عند منطقة، بل شملت البلاد برمتها.. "يتبع".

إنشرها