Author

التعليم .. والهياكل المتضخمة

|


في عام 2013 تقريبا شاركت في لقاء مع مجموعة من الكتاب، التقينا الأمير فيصل بن عبدالله الذي أمضى وقتها قرابة عام وزيرا للتعليم، وسألت الأمير الوزير سؤالا قلت فيه: كيف تتعامل الوزارة مع هذا العدد الكبير مع الإدارات التعليمية بهياكلها المتعددة؟ وهل هناك حاجة فعليا إلى هذا العدد؟ قال لي الوزير وقتها، انتظر وسترى جواب سؤالك.
ولم تمض فترة قصيرة حتى قامت وزارة التعليم بإلغاء عدد كبير من إدارات التعليم وتقليصها، وأظن أنها قامت بتقليص أكثر من 70 إدارة، كما قامت بدمج إدارات البنات والبنين لتصبح إدارة واحدة تخدم الجنسين في كل منطقة، ولم يتجاوز عدد الإدارات بعد هذه العملية 13 إدارة.
كانت عملية ناجحة اختصرت كثيرا من الإجراءات "البيروقراطية" وبدت الوزارة وقتها أكثر رشاقة من قبل. كنت أطمح وقتها أن تستمر عملية التطوير وإعادة هيكلة إدارات التعليم نفسها التي تعاني اليوم تضخما هيكليا وتشتتا في مهامها.
ولو عدنا إلى هذه الأسئلة: لماذا أنشئت كل هذه الإدارات التعليمية؟ ولماذا يتم تعيين آلاف المعلمين والمعلمات؟ ولماذا تطبع ملايين الكتب؟ ولماذا تنشأ كل هذه المباني التي تسمى "مدارس"؟ الجواب البديهي هو من أجل تعليم الطلبة والطالبات والارتقاء بتحصيلهم الدراسي، لكن الواقع يقول إن هذه الإدارات بهياكلها المتضخمة قد ابتعدت تماما عن خدمة المدرسة، ولم يعد لها علاقة بالتحصيل الدراسي، وبالتالي هي في نظري عبء على التعليم أكثر من كونها خدمة له.
وبنظرة أكثر واقعية ماذا قدمت أقسام التطوير، والتخطيط، والتدريب، والجودة والتقنيات التعليمية، والوحدات الإرشادية، وأقسام خدمات الطلاب، والتوعية الإسلامية، وأقسام أخرى مثل النشاط، والموهوبين، والكشافة وغيرها؟
هذه الأقسام التي تمتلئ بآلاف الموظفين والموظفات ليس لها علاقة مباشرة بدعم المدرسة، وبعيدة تماما عن الميدان التربوي الذي هو حجر الزاوية في صناعة الطالب المتميز، طالب المستقبل الذي نعده ليكون كفاءة وطنية.
المعلم الذي يكتشف موهبة طالب في المدرسة ويرعاها ويشجعها هو أهم من إدارة قسم كامل ليس لموظفيه هم سوى التوقيع في أول النهار وآخره وطلب الإحصائيات من المدارس دون إنتاجية تذكر!
والمدرسة التي توفر بيئة جاذبة للتعلم أهم من إدارة كاملة تسمى التجهيزات التربوية، يتناوب موظفوها على سرد الاحتياجات للمدارس والانتظار بالشهور والسنوات!
معلم التربية الإسلامية الذي يمثل القدوة بتسامحه وسلوكه أهم بكثير من قسم التوعية الإسلامية الذي كانت مهمته الأساسية توزيع الأشرطة الإسلامية على المدارس!
إذا كان وزير التعليم قد طالب بالتركيز على التحصيل الدراسي وترك المهرجانات والحفلات والبهرجة الإعلامية، فإن هذا لن يتأتى سوى بالتركيز على المدرسة وصناعة المدارس النموذجية، وتطوير البيئات المدرسية ومدها بالكفاءات اللازمة.
وكيف يمكن تحقيق ذلك، وقد نسينا في كل السنوات السابقة "المدرسة" وانشغلنا ببناء هذه الهياكل المتضخمة في كل إدارة؟

إنشرها