Author

وظيفتي الأولى .. «موصلاتي»

|


أستغرب ممن يضع شروطا كي يقبل بالعمل، فالعمل بحد ذاته يمنحك قيمة أكبر مما يمنحك أجرا. أول عمل لي، "غير البسطات وهذه القصص"، كان العمل وقتا جزئيا في مكتب العلاقات العامة في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران، كنت طالبا في الجامعة. كانت للجامعة، ولا تزال، مبادرة لتشغيل الطلاب وقتا جزئيا شريطة استيفاء اشتراطات معينة. وجهني المكتب المسؤول عن التوظيف إلى شخص في إدارة العلاقات العامة، الذي أصر أن "يرطن" بالإنجليزي، رغم أن كلينا سعوديان! جرت المحادثة وأنا مستهجن تماما لما يحاول هذا الموظف أن يثبت. بعدها بقليل ناداني وقال لي: مهمتك اليوم مرافقة زوار كبار سيأتون إلى الجامعة، وعليك استقبال الشخص في المطار، وإيصاله إلى مكان سكنه، واصطحابه في اليوم التالي إلى مكان الاجتماع. ورمى لي بجدول أمام من سأستقبلهم، إشارة. قال لي: تذهب بلباس رسمي، وسيكون معك سائق بسيارة من سيارات الجامعة، ثم قال: شد حيلك وبيض وجهنا. تمعنت في الجدول فوجدت أن حصتي ضيفان يصلان في أوقات متفاوتة، أحدهما في ساعة متأخرة، ولست ممن يميل إلى السهر. شعرت أن هذه المهمة مملة، إذ لم أجد سببا لأن أستقبل الشخص ما دام أن الجامعة قد وفرت سيارة وسائقا! لكن رأيي لم يكن كذلك بعد استقبالي للضيفين؛ فقد تبين لي أنهما عضوان في المجلس الاستشاري للجامعة، وأنهما أساتذة كبار في جامعات مرموقة. أحدهما، الذي جاء متأخرا، كان شخصا لطيفا، ولا سيما بعد أن عرف أني طالب في كلية الإدارة الصناعية، فقد تبين أنه مهتم بملف تقييم كليتنا في الجمعية الأمريكية لكليات إدارة الأعمال. وسألني سؤالا لافتا: هل تقيمون أساتذتكم؟ قلت له نعم، قال: اشرح لي كيف؟ فشرحت له أننا في الحصة الأخيرة من الفصل الدراسي التي تسبق الاختبار النهائي للمادة، يطلب من الأستاذ المغادرة، ويأتون بنماذج مطبوعة وعليها أسئلة لتقييم أستاذ المادة. في صباح اليوم التالي وصلت إلى سكنه مبكرا لاصطحابه إلى موقع اجتماع المجلس الاستشاري، قال: ما محاضراتك اليوم؟ قلت: محاسبة، ولم أكمل، حتى قال: هل تحب المحاسبة، أجبت: مملة، واجباتها لا تنتهي. ضحك قائلا: هذا تخصصي! شعرت بإحراج عظيم. كان ذاك عملي الأول، الذي لم أقدر أهميته في البداية، لكنه علمني مهارات لا تدرس في المقررات الجامعية، فالمهمات الصغيرة هي التي تحني الزوايا الحادة في شخصية اليافع، فتمنحك مهارات لا تبرحك أبدا، وإن لم تكتسبها يافعا فيصعب أن تجيدها لاحقا.

إنشرها