Author

ماذا نحتاج لتعليم اللغة الصينية؟

|

تمثل اللغات وسيلة التواصل بين البشر، وأداة التعارف، ونقل المعارف، والثقافات من مجتمع لآخر، ولذا يمثل تعلم اللغات، خاصة الحية منها أمرا لازما لا بد منه، حيث التجارة، وتبادل المنتجات، وكلما كان الوطن قويا في بنائه الاقتصادي، والمعرفي، والعسكري؛ تحولت لغته إلى سلعة مطلوبة يقبل عليها الدارسون من كل مكان، ويسارع المتخصصون لترجمة الكتب، والبحوث، والدراسات، والأفلام، والصحف. وعبر التاريخ سادت لغات؛ نتيجة قوة أهلها، وضعفت لغات أخرى؛ لضعف أهلها، فعلى سبيل المثال سادت اللغة العربية، وأصبحت لغة العلم، حتى أصبح الأوروبيون يبعثون أبناءهم لينهلوا من معارف العرب في الأندلس؛ لتوافر العلماء، والكتب الزاخرة بعلوم الطب، والكيمياء، والرياضيات، والفلسفة، والاجتماع.
في عصرنا الحاضر نجد السيادة للغة الإنجليزية في المعرفة والاتصال، والتقنية؛ نظرا لما تتمتع به دولها من قوة اقتصادية، وعسكرية، ونفوذ سياسي على مستوى المؤسسات الدولية، وعلى مستوى أدوات التأثير، وبسط الثقافة، وإنتاج المعرفة، كالجامعات، ووسائل الإعلام القوية، كما توجد لغات أخرى لها نصيب من الانتشار، كالفرنسية التي فرضت على المستعمرات الفرنسية في إفريقيا، وفي العالم العربي من شرقه في لبنان، وسورية، إلى غربه من تونس حتى موريتانيا، كما أن اللغة الروسية تكتسب شيئا من الحضور في هيئات الأمم المتحدة؛ نظرا لعضويتها الدائمة في مجلس الأمن، ومثلها اللغة الصينية مع تميز اللغة الصينية بكونها لغة مليار ونصف المليار، إضافة إلى ما حققته الصين من قوة اقتصادية، وصناعية، وعسكرية، وتأثير بدأت ملامحه تتبلور على الصعيد العالمي.
بعد زيارة الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد للصين تقرر تدريس اللغة الصينية في التعليم العام، وكذا في الجامعات، وما من شك أن فوائد عدة: سياسية، وثقافية، ومعرفية، وتقنية، ستتحقق بوجود من يجيد اللغة؛ حتى نتمكن من ترجمة آداب، ومعارف الصين للغة العربية، إلا أن تحقيق هذه الأهداف يتطلب إمكانات مادية، وبشرية كبيرة، خاصة إذا علمنا أن اللغة الصينية لم تنتشر في العالم العربي، ومن النادر وجود من يمكن التعاقد معه للتدريس، كما هو الحال مع اللغتين الإنجليزية، والفرنسية اللتين يكثر متعلموهما في العالم العربي، كما أن من الخيارات لسد العجز التام في مدرسي اللغة الصينية التعاقد مع معلمين صينيين، إلا أن هذا الخيار يواجه صعوبة عدم إجادة الصينيين اللغة العربية؛ حتى يتمكنوا من التواصل مع الطلاب، ويضاف إلى ما سبق حقيقة أنه ليس كل من يتكلم، ويقرأ، ويكتب أي لغة سيكون قادرا على تدريسها، فالتدريس مهنة لها أصولها، ومتطلباتها، ولا يمكن إسنادها لأي شخص.
مما يساعدنا على وضع الخطة المناسبة لتنفيذ التوجه معرفة هل سيكون تعلم اللغة الصينية إلزاميا للجميع، أم سيكون اختياريا، فإن كان الأمر اختياريا فهذا يسهل الأمر نوعا ما في توفير المعلمين، كما يمكن توظيف التقنية من خلال التعليم الإلكتروني، مع ضرورة إيجاد الأنظمة المناسبة؛ لضمان الجودة، وتحقيق الفائدة المرجوة.
على المدى البعيد يمكن وضع خطة مع الجامعات ممثلة في كليات اللغات والترجمة لاستحداث أقسام للغة الصينية تخرج معلمين لتدريسها، وذلك بالتنسيق مع كليات التربية؛ لتتولى الجزء التربوي في الخطة الدراسية، وهذا يستغرق وقتا طويلا لتخريج معلمين أكفاء؛ إذا ما أخذنا في الاعتبار عشرات الآلاف من المدارس، وملايين الطلاب في التعليم العام، إلا أن هذا الخيار- مع أنه الخيار الممكن- له سلبياته، فافتقاد الوسط الذي يتكلم اللغة الصينية، ويستخدمها لدينا في المملكة سيضعف المخرجات، وهذا ما وجدته، وفريق بحثي عندما أجرينا دراسة تقويمية لكلية اللغات والترجمة في جامعة الملك سعود، إذ تكشف لنا ضعف الطلاب في كل اللغات المتخصصين بها عندما طبقنا عليهم اختبارات مقننة، وعندما ذكرت لنا ذلك الجهات المستفيدة من مخرجات الكلية، إضافة إلى إقرار الخريجين بذلك؛ لذا أوصينا بضرورة قضاء الطلاب فصلا دراسيا في الوطن الأم للغة المتعلمة؛ لتتاح الفرصة لممارسة اللغة، خاصة التحدث، واكتساب مهاراتها، وذلك بالاختلاط مع الناس في الأسواق، والمطاعم، ووسائل المواصلات.

إنشرها