default Author

رواد الأعمال بين الطموح والمخاطر الكبيرة

|

خلال تسعينيات القرن الماضي كان هناك بيل جيتس، وفي العقد الأول من هذا القرن كان هناك الراحل ستيف جوبز، وفتيا "جوجل" لاري بيج وسيرجي برين، أما في العقد الحالي، فهناك مؤسس "فيسبوك" مارك زوكربيرج. هؤلاء الرجال لم يتمكنوا من إحداث ثورة تكنولوجية فحسب، إنما أيضا تمكنوا من تغيير طريقة عمل الناس وتفاعلهم، فأصبحت ظاهرة ثقافية. والأهم من ذلك كله أنهم أصبحوا أثرياء بشكل خرافي، فقد جاء جيتس في الترتيب الثاني "61 مليار دولار"، بينما جاء كل من بيج وبرين في الترتيب الـ24 بالتساوي "18.7 مليار دولار لكل منهما"، أما زوكربيرج فقد حل في المرتبة الـ35 "17.5 مليار دولار"، وعادة ما ينظر إلى هؤلاء الرجال، الذين حققوا نجاحا باهرا في مجال الأعمال، على أنهم نموذج لرواد الأعمال، من حيث الرغبة الجامحة والقدرة على تحمل المخاطر، مع ما يتطلبه ذلك من أموال، لكن ذلك يظل فرضية لم يتمكن الأكاديميون حتى الآن من إثباتها أو نفيها.
ولقد أجريت دراسة شملت أكثر من 60 ألف شخص في جامعة ستانفورد، وتوصلت إلى نتائج مغايرة. وأجريت الدراسة التي تمت بالتشارك مع مارتن روف في جامعة برينستن، على مجموعتين من الناس: أولئك الذين بدأوا للتو أعمالا تجارية خاصة بهم في المجموعة الأولى، وعامة الناس في المجموعة الثانية. ولقياس قدرتهم على تحمل المخاطر، فقد أعطيت هاتان المجموعتان ثلاثة خيارات للبدء بمشروع استثماري: ربح مقداره خمسة ملايين دولار، مع فرصة للنجاح بنسبة 20 في المائة "خيار رقم 1"؛ ربح مقداره مليونا دولار، مع فرصة للنجاح بنسبة 50 في المائة "خيار رقم 2"؛ وربح مقداره 1.25 دولار، مع فرصة للنجاح بنسبة 80 في المائة "خيار رقم 3". ويشير المفهوم العام للبحث عن المغامرة، وهو أنك لن تكسب شيئا إذا لم تغامر، إلى أن معظم أصحاب الأعمال سيذهبون إلى الخيار رقم "1"، لكن الدراسة أثبتت غير ذلك، فقد كان عدد رواد الأعمال الناشئين الذين اختاروا الخيار رقم "3"، أي نسبة نجاح أعلى، وربح أقل، أكثر من أولئك في مجموعة عامة الناس، في حين أن نسبة أعلى من عامة الناس اختاروا الخيار رقم "1"، بدلا من أصحاب الأعمال. إذا كان المال وحده لا يكفي لجعل شخص ما يبدأ عملا خاصا به، فما الذي يجعله يفعل ذلك؟ "البدء بمشروع ما هو إلا مخاطرة كبيرة، ونتائجه غير مضمونة، وتعد الدوافع غير المالية، لمن يبدأ مشروعا جديدا، أهم بكثير من الدوافع المالية، وأحد هذه الدوافع هو الاستقلالية، فالناس يريدون أن يعملوا لحسابهم الخاص. أما الثاني فهو تحقيق الذات، وهو عادة ما يختص بأناس لديهم رؤية حول أحد المنتجات أو إحدى الخدمات، لكن أصحاب العمل لا يعطونهم الحرية للتطور داخل هيكل الشركة، وهذا هو الدافع الرئيس". من أجل اختبار هذه الفرضية، من خلال هذه الدراسة تم التحدث مع عدد من رواد الأعمال، حيث يقول أوستن نج الموسيقي التنفيذي السابق، الذي استقال من عمله ليصبح مصورا فوتوغرافيا: "لا أنكر أن الاستقلالية وتحقيق الذات يشكلان الجزء الأكبر عندما يتعلق الأمر بأن تعمل لحسابك الخاص، ولا أدعي أن كسب مزيد من المال ليس أمرا مستحسنا، لكنك عندما تقوم بعمل تحبه، وتجني مالا من ورائه، فإن هذا ببساطة أمر مريح للغاية". ويضيف: "أما عن كون رواد الأعمال أقل تعرضا للمخاطر مما يتصور المجتمع، فقد كانت بالنسبة إلي قفزة هائلة عندما تحولت من موظف إلى شخص يعمل لحسابه الخاص، وكانت مغامرة كبيرة، ولذلك إنني أعتقد أن رواد الأعمال يقدمون على مخاطر كبيرة، ولكن لديهم طموح".
استقال دانيال جوه المدير السابق للعلاقات العامة لينشئ شركة جود بير، التي انطلقت من كشك في مجمع تشاينا تاون في سنغافورة. يقول جوه: "أنا أتفق تماما مع الفرضية الأولى المتعلقة بالاستقلالية وتحقيق الذات، إنها مسألة تتعلق بوضع واختيار الأولويات في الحياة، بدلا من أن تجعلها تختار لك. إن الفارق بين رائد الأعمال وغيره من الناس، في رأيي، هو أن رائد الأعمال يحسب ألف حساب للمخاطر التي تجلبها ريادة الأعمال، ويتقبلها". تجدر الإشارة هنا إلى أن لا أوستن نج ولا دانيال جوه هما رائدا أعمال بالضرورة، أي إنهما مضطران للبدء بمشاريع تجارية لتغطية نفقاتهما، وهنا يقدم جوه نصائحه لمن يريد أن يكون من رواد الأعمال، فيقول: "إذا كنت ترغب في كسب المال، فلا تنشئ شركة، لأنك إن فعلت، فستجد أنها عملية شاقة وغير مضمونة، مليئة بالمطبات كقطار الملاهي". ويضيف محذرا: "إذا كنت تحمل درجة في إدارة الأعمال، فمن المرجح أنك ستتوقف عندما تواجه صعوبات، فتبحث لنفسك عن وظيفة في إحدى المؤسسات بدلا من ذلك، كأن تكون مستشارا، أو أن تستثمر في الشركة. عملية إنشاء شركة لا يمكن لها أن تنجح إلا إذا كانت هناك رغبة شديدة، كالسعي إلى تحقيق رؤية لمنتج أو خدمة، من شأنها تغيير العالم أو حياة الناس، عندها فقط يمكنك الخوض في هذه العملية الصعبة والخلاص من التوقف، وإلا فإنك ستتوقف، لأنك سترى الصعوبة قبل أن ترى الأموال".
أشخاص مثل أوستن نج ودانيال جوه يرون الصعوبة، لكنهم أيضا يرون المردود غير المالي الذي يحصلون عليه من كونهم يعملون لحسابهم الخاص. قد لا تكون لديهم رؤية لتغيير العالم كما فعل ستيف جوبز أو زوكربيرج، ولا يملكون حتى جزءا يسيرا من ثرواتهما، لكن، مرة أخرى، المال ليس كل شيء".

إنشرها