ارتفاع مشاركة المرأة في القوى العاملة «3»
على مستوى اقتصادات آسيا، يبدو أن زيادة حجم قطاع الخدمات "بما في ذلك القطاع العام" مقارنة بالقطاع الصناعي وارتفاع مستويات التعليم هما العاملان الأكثر ارتباطا بزيادة نسب مشاركة المرأة في القوى العاملة. أما الانفتاح الاقتصادي مقيسا بنصيب التجارة في إجمالي الناتج المحلي ومعدل التوسع الحضري، فلهما تأثير إيجابي ولكنه أقل في المتوسط بسبب تنوع الاقتصادات الآسيوية.
وفي حين تؤدي الميكنة إلى انخفاض نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة في بعض البلدان، إلا أنه لا ينطبق ذلك على جميع بلدان آسيا. والسبب في ذلك انخفاض درجة التعرض لمخاطر الميكنة نسبيا "بسبب الحجم الكبير لقطاع الزراعة على سبيل المثال" وارتفاع تكلفة الميكنة.
وثمة دور إيجابي أيضا للسياسات الأسرية المصممة خصيصا لمعالجة معوقات محددة تواجه المرأة العاملة، مثل: حماية حقوق الأمومة وتوافر خدمات رعاية الطفل والعمل على أساس عدم التفرغ. غير أن فجوات البيانات والحجم الكبير للقطاع غير الرسمي في عدد من بلدان آسيا يحدان من التأثير الكلي لهذه السياسات. كذلك يتوقف مدى فعالية السياسات التي تستهدف الأسر على قدرة المؤسسات على إنفاذ القواعد الملزمة قانونا، وهو أمر متفاوت من بلد لآخر في آسيا.
وأخيرا، فإن جمود سوق العمل الذي يجعل من الصعب على الشركات الاستغناء عن العاملين قد يكون له تأثير سلبي في قرار أرباب العمل بتوظيف المرأة.
كيف حققت فيتنام نسب مشاركة مرتفعة للمرأة في القوى العاملة على مدار عدة عقود؟
في حين تعد فيتنام حالة خاصة بسبب الحرب التي شهدتها يمكن للبلدان الآسيوية الأخرى استخلاص عدد من الدروس من تجربة فيتنام في زيادة نسب مشاركة المرأة في القوى العاملة، فقد استمر الارتفاع الأولي في نسب مشاركة المرأة بمرور الوقت بسبب خيارات السياسات، الإصلاحات الاقتصادية ودفعة قوية نحو تحسين التعليم مع التركيز على المساواة بين الجنسين.
ووفقا لدراسات Claudia Goldin and Claudia Olivetti الصادرة عن المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، فإن تأثير الحرب في فيتنام على الارتفاع الأولي في نسب مشاركة المرأة في القوى العاملة مماثل للارتفاع في نسب مشاركة المرأة في الولايات المتحدة عقب الحرب العالمية الثانية.
أدت الحرب في فيتنام إلى تراجع حاد في عدد السكان من الذكور كنسبة من عدد السكان الإناث، ولا سيما ضمن فئة السكان في سن العمل الأمثل. ومع بدء النمو الاقتصادي عقب إصلاحات "دوي موي" في عام 1986، كان عرض العمالة المتاح معظمه من الإناث، وكان من الطبيعي انضمام أعداد كبيرة من النساء إلى صفوف القوى العاملة.
وكان الهدف من إصلاحات "دوي موي" بناء اقتصاد سوقي ذي توجه اشتراكي من خلال تشجيع الشركات الخاصة ورفع القيود المفروضة على الأسعار وتصفية الشركات الحكومية تدريجيا، إلى جانب عدد من التغييرات الأخرى. وأدت هذه الإصلاحات إلى نمو اقتصادي سريع، وانفتاح الاقتصاد على التجارة، وتوسعات حضرية سريعة. وفي حين ظلت نسبة كبيرة من النساء العاملات ولا تزال متركزة في قطاع الزراعة، ازداد عدد النساء العاملات بأجر في قطاعين كبيرين، هما قطاع الخدمات وقطاع الاستثمار الأجنبي المباشر.
وتشير دراسات Goldin and Olivetti إلى أن الارتفاع في نسب مشاركة الإناث في الولايات المتحدة ظل مستمرا بالنسبة للنساء العاملات الحاصلات على تعليم عال، ولكنه كان قصير الأجل في حالة العاملات الأقل مهارة. وفي فيتنام، اقترنت إصلاحات "دوي موي" بدفعة كبيرة نحو تحسين التعليم - التعليم من أجل الجميع. وركزت خطة التعليم من أجل الجميع الأولى 1993 - 2000 على المساواة بين الجنسين في جميع مستويات التعليم. وحققت هذه الجهود مكاسب كبيرة، حيث ضمنت استمرارية الارتفاع الذي شهدته فيتنام في نسب مشاركة المرأة في القوى العاملة عقب الحرب.
وفي فيتنام، يتخرج الذكور والإناث من مرحلة ما بعد التعليم الثانوي بالمعدل نفسه تقريبا. وتعد فيتنام من البلدان القليلة في آسيا التي استطاعت تحقيق مساواة بين الجنسين في نسب المشاركة في القوى العاملة من خلال المساواة بينهما على مستوى التحصيل الدراسي. كذلك فإن النجاح النسبي في توظيف النساء ذوات المهارات العالية يعد دالة للقوانين الأسرية التي تقدم مزايا سخية، فيما يتصل برعاية الأطفال وحقوق الأمومة في فيتنام. كذلك عزز البلد إطاره القانوني لضمان المساواة وعدم التمييز بين الجنسين.
الحاجة إلى مزيد من العمل على الرغم من تحسن نسب مشاركة المرأة في القوى العاملة في آسيا، يوجد مجال كبير لمزيد من التحسن وتعميم السياسات الجيدة في جميع أنحاء آسيا. وقد نتجت النجاحات الأخيرة في جزء منها عن قوة الأوضاع الاقتصادية التي قد لا يكون من شأنها دعم مشاركة المرأة في القوى العاملة في ظل تقلبات الدورة الاقتصادية. كذلك فإن تسارع معدلات تزايد أعداد المسنين والرقمنة قد يؤثر تأثيرا سلبيا أيضا فيما تم تحقيقه من مكاسب أخيرا.
وبالنظر إلى نسب المشاركة الكلية، فثمة حاجة إلى زيادة المساواة بين الجنسين على جوانب أخرى، مثل فروق الأجر وشغل المناصب العليا والحصول على الوظائف المأجورة، بما في ذلك البلدان الآسيوية الأفضل أداء، مثل فيتنام. وقد تختلف السياسات المطبقة من بلد إلى آخر حسب درجة تطوره وقدراته المؤسسية وأعرافه الثقافية والاجتماعية.
وتعد إمكانية الحصول على تعليم عالي الجودة وفعالية تنفيذ القوانين الداعمة للأسرة من العوامل الحاسمة في جميع البلدان على الأرجح. وقد تساعد السياسات الهادفة إلى استمرارية النمو الاقتصادي القوي على دعم التحسن المطرد في نسب مشاركة المرأة في القوة العاملة.