اتجاه العالم نحو «الرقمية» وكيفية المواكبة

واجه آرون رالستون في أيار (مايو) 2003 قرارا مصيريا. فبعد خمسة أيام من محاصرته في واد في ولاية يوتا بعد أن علقت ذراعه ويده تحت صخرة، عقد العزم على بتر ذراعه بسكين جيب لإنقاذ حياته. لا تزال هذه القصة تثير مشاعري ومشاعر الآخرين في اعتقادي. فمن وجهة نظر عقلانية، قطع ذراعه هو الخيار الوحيد الذي كان يملكه في ذلك الوقت، ولكن أن تتخذ قرارك بإيذاء نفسك لا يزال يبدو أمرا غير طبيعي إلى حد ما.
يواجه عديد من الشركات معضلة مماثلة، وإن كانت أقل دموية من قصة رالستون. فصعود المنافسة الرقمية يمكن أن يحدث على نحو مفاجئ مثل سقوط الصخرة. يتطلب التحول من نشاط مربح للغاية القيام بتغيير جذري على أمل أن يكون نموذج الأعمال الرقمي، الذي لم يثبت نجاحه بعد، ضمانا للاستمرارية مستقبلا. وقد رأينا في السنوات الأخيرة إلى أي مدى يمكن أن يكون اتخاذ مثل هذا القرار أمرا مرهقا.
على سبيل المثال، تردد عديد من الصحف في استبدال الإعلانات المبوبة المربحة للسيارات والمنازل وفرص العمل، بمواقع على الإنترنت، وأدى ذلك إلى هيمنة الشركات الإلكترونية الجديدة على السوق الرقمية في معظم الدول الغربية، التي غالبا ما تباع فيما بعد إلى الصحف بمبالغ باهظة.
يخشى أصحاب العلامات التجارية إثارة حفيظة شركات البيع بالتجزئة في حال روجوا منتجاتهم مباشرة للعملاء. وتتردد شركات البيع بالتجزئة في فتح متجر إلكتروني في كثير من الأحيان تفاديا لتأثير ذلك في عملياتها. حاولت صناعة الإعلام بجدية ولسنوات عديدة، تأخير عملية التحول من أسلوب المنتجات المجمعة "محطات التلفزيون والصحف، والأقراص المدمجة" إلى الخدمة بناء على الطلب، في حين لا يزال قطاع الاتصالات يكافح للانتقال من خطط السداد المبنية على عدد الدقائق والرسائل النصية إلى التسعيرة التي تعتمد على معدل استخدام البيانات فقط.
ليس من المستغرب أن تتم عملية التحول بشكل بطيء آخذين في الحسبان الخيارات غير التقليدية: التخلي عن مبالغ نقدية على المدى القصير على أمل زيادة الأرباح مستقبلا. أصحاب المصلحة لا يظهرون حماسهم أغلب الأوقات. فمن الصعب أن توضح للمساهمين أن تخليك طوعا عن الأرباح والإيرادات فترة معينة، يصب في مصلحة إيجاد قيمة مستقبلا. داخل المؤسسة، لا يفهم الموظفون المسؤولون عن جني المال أنه لن يسمح لهم بالاستثمار مستقبلا، فبحسب رأيهم أن كثيرا من المال يهدر على مغامرات جديدة.
يعيد ذلك إلى الأذهان مقولة ستيف جوبز: "إذا لم تأكل نفسك، فسيقوم بذلك أحد آخر"، التي يرد عليها بمقولة "القول أسهل من الفعل"، آخذين في الحسبان أن المبادرة للقيام بالتغيير في مرحلة مبكرة قد تكون لها آثار سلبية كما الحال أن تكون متأخرا جدا.
أظهرت فقاعة الإنترنت عام 2000، أن الحماس الزائد قد يؤدي إلى التهور وتدمير القيمة. والسؤال الجوهري هنا: كيف بالإمكان تحضير المؤسسة لتكون جاهزة لأن تأخذ قرارها بالتوقف في الوقت المناسب؟ بالنظر إلى الشركات التي أقدمت على فعل ذلك بشكل جيد نسبيا - مثل شركة شيبستد التي تصدر إحدى الصحف النرويجية التي اختارت نشر الإعلانات المبوبة على الإنترنت في مرحلة مبكرة، لتصبح لاعبا رئيسا في أوروبا اليوم - في اعتقادي يجب علينا أن نتحلى بالشجاعة دون الوقوع في فخ الاستهتار.
تمت الإشادة بجرأة آرون رالستون في المقام الأول. وجاء قراره من خبرته الواسعة والثقة التي يتمتع بها؛ حيث كانت لديه الثقة الكافية للانتظار لمدة خمسة أيام، على أمل أن يتم إنقاذه، والخبرة الكافية لمعرفة أنه في حال انتظاره فترة أطول سيكون أضعف من أن يسحب نفسه للخروج من الوادي.
تعتمد قصة رالستون على الصفات الاستثنائية التي تميز كل شخص. ويتطلب نجاح الشركة أن يضم فريق الإدارة وأعضاء مجلس الإدارة أشخاصا يتحلون بالشجاعة والخبرة الرقمية الكافية، وآخرين حذرين يعارضون التهور. فعندما يتعلق الأمر بدخول العالم الرقمي، تكون السيكولوجيا النفسية أكثر أهمية من التكنولوجيا للحفاظ على الاستمرارية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي