النمو المستدام من اقتصاد متنوع

النمو الاقتصادي في السعودية يسير وفق الطريق المتوقع، كما أنه يشهد تطورا بين الحين والآخر، طبقا لمخرجات الحراك الاستراتيجي الاقتصادي الوطني المتمثل في "رؤية المملكة 2030". هذه "الرؤية" تطرح سلسلة هائلة من المشاريع المحلية الممولة وطنيا أو من الخارج، ما يدعم مسار النمو على المديين المتوسط والبعيد. بمعنى أن مستويات النمو تخدم التنمية والأمر نفسه معكوسا. ومن هنا تتوقع الدوائر العالمية المختصة ثباتا لوتيرة تسارع النمو الاقتصادي في المملكة؛ لأن "ورشة" البناء الاقتصادي توفر الأرضية تلو الأخرى لذلك، خصوصا إذا ما أخذنا في الحسبان الإنجازات المتوالية لمشاريع "الرؤية"؛ حيث استُكمل بعضها، حتى قبل حلول المواعيد المحددة لها. يضاف إلى ذلك التنوع المتصاعد في القطاعات الاقتصادية الوطنية بشكل عام.
رفع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد السعودي العام المقبل، كان متوقعا. والحق أن هناك مؤسسات عالمية مشابهة تتوقع ارتفاع معدل النمو المشار إليه في الفترة المقبلة لأسباب عديدة، في مقدمتها نمو لافت للأنشطة الاقتصادية غير النفطية، إلى جانب "طبعا" الارتفاع المتوقع لأسعار النفط. ففي الفترة الماضية، حافظت أسعار النفط على ارتفاعها استنادا إلى اتفاق خفض الإنتاج العالمي، الذي تقوده عمليا السعودية نفسها، فضلا عن استعدادها دائما للعمل من أجل الحفاظ على التوازن في السوق بين العرض والطلب. ولا توجد مؤشرات تدل على إمكانية تراجع أسعار النفط في الفترة المقبلة، ولا سيما مع المشاكل التي تواجه إيران وفنزويلا وغيرهما من بعض منتجي ومصدري البترول.
لكن النقطة الأهم في مسألة ارتفاع النمو الاقتصادي، هي تلك المتعلقة بارتفاع حجم مشاركة القطاعات غير النفطية في السعودية في الناتج الإجمالي المحلي. وفي الميزانيتين الأخريين، ارتفع مستوى هذه المساهمة بصورة لافتة، ومن المتوقع أن يرتفع في الميزانيات المقبلة خلال الأعوام التي ستقود لعام 2030. والقيادة في المملكة، تضع مسألة تنويع مصادر الدخل في المقدمة، وتربطه بالنمو وبكل المجالات التي تخدم التنمية، بما في ذلك تراجع مستهدف للبطالة، وخفض محدد للإنفاق الحكومي في مجال الرواتب والأجور. وغير ذلك من العوامل الأخرى. المهم، أن التنوع الاقتصادي بدأ يظهر بوضوح على الساحة السعودية، وهو يختص بمجالات مختلفة، ما يعزز مسيرة التنمية الجارية على الساحة حاليا.
في العام المقبل، سيصل النمو الاقتصادي في السعودية إلى 2.4 في المائة، وفق صندوق النقد الدولي، وقد ارتفع بالفعل خلال العام الجاري بثلاثة أعشار ليسجل 2.2 في المائة. في حين توقع "الصندوق" ارتفاع فائض الحساب الجاري إلى 8.4 في المائة، وهذه نسبة أيضا جيدة. كل هذه التوقعات تؤكد مجددا أن مسيرة البناء الاقتصادي تمضي، وفق المخططات الموضوعة لها، وأنها بدأت تعطي الثمار المطلوبة والمحفزة في آن معا. وهذا أيضا ما يعزز الإقبال المتصاعد (مثلا) على الاستثمار ضمن نطاق مشاريع "رؤية المملكة 2030"، مع الضمانات الكبيرة في هذا المجال. سيشهد العام المقبل مزيدا من الإنفاق الإنتاجي في المملكة، وهو أمر سيقود حتما لمزيد من النمو المستدام، الناتج عن اقتصاد أكثر استدامة.

المزيد من الرأي