default Author

استثمارات الشركات الوهمية حول العالم «2 من 2»

|
هذا النوع من هندسة الضرائب المالية يشكل ظاهرة عالمية تتقاطع مع الاقتصادات المتقدمة واقتصادات الأسواق الصاعدة. ففي اقتصادات الأسواق الصاعدة، مثل الهند والصين والبرازيل، يمر من 50 إلى 90 في المائة من الاستثمار الأجنبي الخارجي المباشر من خلال كيان أجنبي لا يمتلك أي جوهر اقتصادي؛ وذلك بنسبة تراوح بين 50 و60 في المائة في الاقتصادات المتقدمة، مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة. وعلى الصعيد العالمي، يقترب المتوسط من 40 في المائة. على الرغم من أن حصة الكيان ذي الأغراض الخاصة منخفضة نسبيا في بعض بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، إلا أن التحدي الضريبي الذي يشكله لا يزال كبيرا؛ لأن الاستثمار الأجنبي المباشر المتجه إلى الخارج مرتفع نسبيا، بشكل عام، بالنسبة لحجم الكيان الاقتصادي. في أجزاء كثيرة من العالم، يستخدم الأفراد أيضا الملاذات الضريبية على نطاق واسع، كما يتضح من دراسة جديدة "قيد الإصدار" تتناول تحليل الإحصاءات التي أصدرها أخيرا بنك التسويات الدولية حول الودائع المصرفية عبر الحدود، وتوثق الدراسة اختلافات واضحة بين الدول في مقدار الثروة التي يتم الاحتفاظ بها في حسابات شخصية خارجية. على الصعيد العالمي، يمتلك الأفراد نحو سبعة تريليونات دولار؛ أي ما يعادل تقريبا 10 في المائة من إجمالي الناتج المحلي العالمي، في الملاذات الضريبية. ومع ذلك، يراوح المخزون من الثروة الخارجية بين نحو 4 من إجمالي الناتج المحلي في الدول الاسكندنافية ونحو 50 في المائة في بعض الدول المنتجة للنفط، مثل روسيا والسعودية، وفي البلدان التي عانت حالات عدم استقرار مالي كبير، مثل الأرجنتين واليونان. تشير هذه الأنماط إلى أن الضرائب المرتفعة لا ترتبط بالضرورة بمستويات عالية من التهرب الضريبي في الخارج: فالبلدان الاسكندنافية تتمتع بأعلى معدلات ضرائب دخل في العالم، لكن لديها القليل نسبيا من الثروات الشخصية في الخارج. وتشير النتائج أيضا إلى أن الأفراد أحيانا يخبئون الأموال في حسابات خارجية لأسباب لا علاقة لها إطلاقا بالتهرب الضريبي، ولا سيما في سياق اقتصادات الأسواق الصاعدة. فعلى سبيل المثال، قد تعمل مصارف الملاذ الضريبي على التحايل على ضوابط رأس المال خلال أزمة العملة، كما قد توحي به المستويات العالية بشكل استثنائي للثروة الشخصية الخارجية في الأرجنتين، وغسل عائدات الفساد في صناعات استخراج الموارد، على النحو الذي تبديه إحصاءات دول مثل روسيا وفنزويلا. تسلط الدراسة الضوء أيضا على التغيرات الجذرية في حصة الملاذات الضريبية في سوق إدارة الثروات العالمية. فقد انخفضت نسبة الثروات العالمية الخفية التي تديرها المصارف السويسرية من 50 في المائة تقريبا عشية الأزمة المالية إلى 25 في المائة اليوم مع توسع الملاذات الضريبية الآسيوية، مثل هونج كونج وماكاو وسنغافورة. قد يشير هذا التطور إلى أن التعاون الدولي في المسائل الضريبية من جانب سويسرا وغيرها من الملاذات الضريبية الأوروبية يعد رادعا للمتهربين من الضرائب، لكنه قد يكون علامة على أن نسبة أكبر من الأكثر ثراء في العالم هم من الآسيويين الذين يقومون بأعمال مصرفية خارجية في ملاذات ضريبية قريبة. سيزداد التحدي الضريبي الدولي في السنوات المقبلة؛ بسبب زيادة رقمنة الأصول ونقلها "تأمل في الفيسبوك وجوجل وتينسينت". تسلط الدراسات الجديدة الضوء على الأموال التي تمر بالملاذات الضريبية، وتكشف عن فروق صارخة بين البلاد في التعرض للتحدي الخارجي، لكن هذه التحليلات تستند إلى أدلة غير كاملة؛ لأن الشركات متعددة الجنسيات والأفراد يمكن أن يستخدموا أساليب أخرى لتأمين الثروة في الخارج. ولهذا السبب، هناك حاجة إلى مزيد من البيانات لاختراق حجاب السرية المالية الخارجية بالكامل. أولا، ينبغي لمزيد من البلدان أن تبدأ بالإبلاغ المنتظم عن البيانات المالية التفصيلية مقسمة حسب الأدوات والقطاع المحلي والقطاع المقابل والبلد والعملة وتاريخ الاستحقاق. ثانيا، تتعرض الإحصاءات التقليدية للاقتصاد الكلي، التي تستند إلى مفهوم الاقتصاد الوطني باعتباره الحد الوحيد ذي الصلة، إلى تحديات من العولمة المالية. وينبغي استكمال هذه الإحصاءات ببيانات الترابط العالمي، التي تتعدى الاحتفاظ بالثروة المالية عبر الحدود للعثور على أصحابها النهائيين. وهذه البيانات ستجعل تقييم تكاليف ومزايا المبادرات السياسية المختلفة ممكنا؛ لذا يجب أن تستند القرارات المستنيرة إلى أدلة غنية ومفصلة وموثوقة.
إنشرها