وفاة عالم جليل

فليبكك الحرم الشريف، ولتفقدك أعمدته وأركانه، ولينعك مقعدك هناك حيث كنت تدعو وتؤلف وتنشر المحبة والسلام. أنت يا من عشت أيامك خادما للدين، وأشغلت أوقاتك بالقرآن والسنة والعلم الشرعي والبحث المستمر فيما يوضح الحق للناس ويعينهم على معرفة تفاصيل دينهم وحقائقه.
ولمن لا يعرف العالم الجليل أبو بكر الجزائري نقول: هو بعيد عن الشاشات، عاشق لمسجد الرسول، محب للناس، وداعم لكل المحتاجين. هو علم من أعلام الدين في العصر الحديث، لكنه لم يكن يقبل النزاع والخلاف، فسيرته يميزها البحث دوما عن المحبة والتصالح بين الناس. تشهد فتاواه على تيسيره وبحثه عن خير الأمة وكل أفرداها.
ولد الشيخ في قرية صغيرة في الجزائر، وتميزت حياته منذ نعومة أظفاره بالتعلق بالقرآن وحفظ متون السنة، ولم يستقر قلبه إلا حين انطلق باتجاه مدينة الرسول، ليقضي فيها جل عمره داعية ومفسرا ومعلما في المسجد النبوي والجامعة الإسلامية. تميزت علاقة الشيخ بالعلماء كافة بالمحبة والاحترام، ورغم عدم معرفتي الشخصية به فقد أثر بفكره وسماحته في تكوين حب لله في قلبي للرجل.
حتى كلام العالم الفقيد كان يدفعك لحبه والإعجاب به، ذلك أنه يتناول المسألة بكل حرص ويعمل فيها فكره وعلمه ليصل إلى نتيجة تشرح الصدور، وتؤكد كم المعرفة والحكمة التي يتمتع بها، ليتضاعف الإعجاب به وبعلمه. يمكن الرجوع لتسجيلات الشيخ للتعرف أكثر على شخصيته وأسلوبه المحبوب في الحديث والنقل والقراءة.
استمر نشاطه بعد أن تجاوز الـ 90، رغم أنه كان مقلا في آخر عمره لاعتلال صحته. لكن ما ميز حياة الشيخ هو العفة والمحبة والتوازن وتقديم المفيد لكل من حوله. هذا العمر الذي قضاه في الدعوة والتفسير والتعليم نرجو أن يكون شفيعا له عند ربه.
عندما فجع الناس بوفاة الشيخ توجهت لأشاهد ردود الأفعال في مواقع التواصل، فوجدت أكثر ما توقعت من الثناء على علم الشيخ وشخصه، وهو ما يندر حدوثه هذه الأيام. لكن البعد عن الأذى واحترام الذات والآخرين، والبقاء بعيدا عن مواطن الشبهة كل ذلك جعل من شيخنا علما يحبه الجميع ويخشى كل مرجف من أن يسيء إليه، لأنه بخلقه وعفته وسموه كان أكبر من ذلك كله.

المزيد من الرأي