حوكمة الجامعات .. وتقييم الأداء
تم إقرار استخدام أداة جديدة لقياس حوكمة الجامعات في مختلف أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ويتمثل الغرض من هذه الأداة، التي طورها برنامج التعليم العالي التابع لمركز التكامل المتوسطي في مرسيليا الذي يحظى بدعم البنك الدولي، في قياس حوكمة الجامعات في بلدان المنطقة وتحديد أنماطها المختلفة "ومدى توافقها مع الغرض منها"، وذلك لمساعدة مؤسسات التعليم العالي على فهم كيفية تحسين أدائها.
وتعد معدلات الالتحاق بالتعليم العالي في المنطقة مرتفعة عند مقارنتها ببلدان أخرى ذات مستوى مماثل من التنمية؛ إذ إن أكثر من 30 في المائة من السكان في الشريحة العمرية 18 ـــ 24 عاما في المتوسط، ملتحقون بمؤسسات التعليم العالي، وهذا الرقم في ازدياد بسرعة. وتشير الاتجاهات السكانية الحالية والتوسع السريع للتعليم الثانوي إلى أن هذا النمو مرشح للاستمرار في العقد الحالي، ومن شأن ذلك أن يشكل عبئا على موازنات التعليم في البلدان العربية وقدراتها على تقديم خدمات عالية الجودة وإتاحة فرص التعلم الملائمة لاحتياجات أسواق العمل.
وعلى الرغم من توافر قوى عاملة ذات تعليم أفضل وآخذة في النمو، فإن معدل البطالة في بلدان المنطقة يبلغ في المتوسط 25 في المائة بين الشباب في الشريحة العمرية 18 - 25 عاما، أي بأكثر من ضعفي المتوسط العالمي البالغ 11 في المائة. ورغم أن معدلات البطالة زادت على مستوى العالم فقط في عامي 2008 و2009 من جراء الأزمة المالية والاقتصادية، من الملاحظ أن معدلات البطالة بالمنطقة قد ارتفعت بين خريجي مؤسسات التعليم العالي طوال العقد الماضي، وذلك عند مقارنتهم بنظرائهم في بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي. ففي بلدان مثل تونس، شهد معدل البطالة زيادة حادة في الأعوام العشرة الماضية.
وتواجه كل بلدان المنطقة تحديات تتعلق بتسريع خطى النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل للأيدي العاملة المتعلمة الآخذة في الازدياد. وثمة حاجة أيضا إلى تضييق الفجوة بين المعروض من التعليم واحتياجات سوق العمل: ويعني ذلك أن الجامعات تعتبر في حد ذاتها مؤسسات حيوية للنهوض بالنمو الاقتصادي، وتتطلب الاهتمام بها على هذا الأساس. فالجامعات توجد المعارف وتنشرها، وهي أيضا تجتذب ذوي المواهب وتضخ أفكارا جديدة وتثري الحياة الثقافية، وترتبط بالبيئات الاقتصادية والسياسية التي تعمل فيها. وتتمثل مقومات "الإدارة أو الحوكمة الرشيدة" في أية مؤسسة، سواء أكانت جامعة أم حكومة، في أن تكون لديها رسالة واضحة هادفة يقوم على تنفيذها جهاز إداري فاعل، وتحقيق التوازن بين الاستقلالية والمساءلة، والمشاركة الممثلة والمجدية للأطراف المعنية صاحبة المصلحة في عملية اتخاذ القرارات. وفي أعقاب الأحداث السياسية التي حدثت في الأعوام الماضية والتي وضعت نظم الحوكمة الرشيدة في بلدان المنطقة على المحك، باتت الجامعات تمثل المنطلق الحقيقي لتحقيق التنمية؛ فالجامعات ذات الأداء الجيد في وضع متميز يمكنها من الاضطلاع بالدور القيادي الذي تمس الحاجة إليه بشدة.
وحوكمة الجامعات هي أحد العناصر الرئيسة التي يمكن أن تؤدي إلى تحسين النتائج. ويقول بعض الأكاديميين إن العوامل المهمة لقيام جامعات ناجحة من الطراز العالمي هي القيادة والسياسة الحكومية والتمويل، والقدرة على التركيز المتواصل على مجموعة واضحة من الأهداف والسياسات المؤسسية، وإيجاد ثقافة أكاديمية قوية، والنهوض بمستويات هيئة التدريس.
وتعد حوكمة الجامعات أيضا محركا مهما للتغيير، كما أن كيفية إدارة المؤسسات هي أحد أكثر العوامل حسما في تحقيق أهدافها. وهناك نماذج كثيرة للحوكمة الرشيدة، وهي تختلف باختلاف البلدان، ونوع المؤسسة، والميراث التاريخي والعوامل الثقافية والسياسية وأحيانا الاقتصادية الأخرى. ومن الواضح أنه لا يوجد نهج واحد "يناسب الجميع" في هذا الشأن. ويتضح بجلاء أيضا أن اختيار النموذج المحتمل لنظم الحوكمة لمؤسسة معينة يجب أن يكون قرارا مدروسا دراسة جيدة.
وقد عبرت مؤسسات التعليم العالي في المنطقة عن حاجتها بشكل محدد لأداة لقياس حوكمة الجامعات. واستجابة لذلك، قام برنامج التعليم العالي في مكتب منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التابع للبنك الدولي بتطوير "بطاقة قياس حوكمة الجامعات" بغرض تقييم ما إذا كانت الجامعات في المنطقة تتبع الممارسات الجيدة للإدارة التي تتناسب مع أهدافها المؤسسية. ومع أن هذه البطاقة لا تمثل في حد ذاتها نموذجا "للحوكمة الرشيدة"، فإنها تسمح للجامعات بمقارنة نفسها مع المؤسسات الأخرى ورصد ما تحرزه من تقدم بمرور الوقت.
وقد اختبرت بطاقة القياس بالفعل في 40 جامعة في أربعة بلدان. وهي خطوة أولى نحو وضع أداة أكثر شمولا لمتابعة أداء الجامعات. ونظرا لأن نظم الحوكمة هي أحد أهم الأبعاد -إن لم يكن أكثرها أهمية- لفهم كيف يمكن للجامعات تحسين أدائها، فإن هذا مدخل إلى تقييم الأبعاد الأخرى مثل ضمان الجودة، ونواتج تعلم الطلاب، وجودة التدريس والبحوث وصلاحية الخريجين لسوق العمل.
وقد أسفر استخدام الأداة الجديدة في 40 جامعة عن بضعة دروس بشأن مزايا القياس وكيف يمكن أن يكون آلية فاعلة لتحقيق الإصلاحات. وهي تشكل معلما بالغ الأهمية على الطريق نحو تحسين المساءلة عن تقديم الخدمات الاجتماعية، ورحلة نموذجية جريئة قامت بها هذه الجامعات.
وعند فحص النتائج الخاصة بكل جامعة وبلد على حدة، كانت القيمة المضافة لاستخدام بطاقة القياس هي أحد العناصر المشتركة التي برزت بقوة أخيرا. ويمثل حماس المشاركين وما نجم عنه من إدراك لمفاهيم نظم الحوكمة الرشيدة داخل المؤسسات مؤشرات قوية للإمكانات التي تنطوي عليها بطاقة القياس في تشجيع تحقيق تغيير مجد. وكانت هناك نتيجة ملحوظة أخرى هي الفرق بين التصور والواقع أن تدرك الجامعات عموما أنها أكثر استقلالية، وأن لديها بيان رسالة محدد على نحو أوضح، وأنها تتمتع بمستويات مشاركة بين الأطراف المعنية أفضل مما كشف عن الفحص.
ويعتزم البنك الدولي توسعة المشروع وتتميز "بطاقة قياس حوكمة الجامعات" بأن لها تأثيرا واسعا، وستساعد في تغيير نظم إدارة الجامعات في كثير من البلدان.