الوسطاء الثقافيون وتعزيز الأداء الإبداعي «2 من 2»

قمت في دراسة تجريبية ثانية باختبار العمليات الفعلية المعنية بالوساطة الثقافية. ولتحقيق هذا الغرض تم تجميع 83 فريقا مكونا من ثلاثة أشخاص: ضم كل فريق عضوين أحاديي الثقافة، وعضوا متعدد الثقافات بغض النظر عما إذا كان مطلعا أم غير مطلع على ثقافة الشخصين الآخرين.
طلب من هذه الفرق تقديم أفكار إبداعية لحفل زفاف متعدد الثقافات يضم عناصر من ثقافتي العضوين أحاديي الثقافة في الفريق، وبالفعل تعاون أعضاء الفريق على تقديم أفكار حول طقوس الزفاف، والموسيقى، وقائمة الطعام عبر منصة إلكترونية.
كان الهدف من الدراسة الحصول على نظرة ثاقبة حول كيفية قيام الأعضاء"المطلعين وغير المطلعين ثقافيا" بدور الوسيط الثقافي. توصلت إلى أن الأعضاء قد قاموا بأداء دور الوساطة الثقافية بطرق مختلفة: "فالمطلعون ثقافيا" قاموا بدور الوساطة بشكل أساسي من خلال دمج أفكار الثقافات المختلفة، في حين قام "غير المطلعين ثقافيا" بالوساطة من خلال استنباط أفكار من ثقافات مختلفة بشكل أساسي.
لتوضيح ذلك، تقوم سياسة الدمج على الجمع المباشر أو التوليف لمعلومات أو أفكار أو معارف صادرة عن منظورات متنوعة، وذلك لإنتاج مجموعة جديدة من الأفكار. على سبيل المثال، اقترح أحد المشاركين خلال الدراسة السابقة أن يتم أداء الأغنية الأمريكية Here comes the Bride على آلات موسيقية هندية، وبذلك يتم دمج عناصر من الثقافة الأمريكية والثقافة الهندية على حد سواء. بينما يعد الاستنباط عملية تشاركية أكثر حيث يقوم الوسيط الثقافي بتجميع معلومات أو أفكار أو معارف ثقافية من أعضاء الفريق عن طريق طرح أسئلة ذات صلة بالموضوع. على سبيل المثال، في الدراسة التجريبية نفسها، استنبط المشاركون الأفكار من خلال طرح أسئلة مثل: "هل هناك أي موسيقى تقليدية خاصة بحفلات الزفاف في الهند؟" أو " اذكر اسم أغنية زفاف شهيرة تؤدى في حفلات الزفاف الأمريكية.
عزز كلا النوعين من الوساطة الثقافية الأداء الإبداعي للفريق ككل. في الواقع قام أسلوب وساطة الاندماج ووساطة الاستنباط معا بتفسير 28 في المائة من التباين في الأداء الإبداعي للفريق.
ومن المثير للاهتمام أن وساطة الدمج والاستنباط تعزز الأداء الإبداعي للفريق، فقط في حال تم إقرارها من قبل فرد متعدد الثقافات. في الواقع، أن مشاركة الأعضاء أحاديي الثقافة في وساطة الدمج لم يكن لها أي تأثير في الأداء الإبداعي للفريق. ومن المثير للدهشة أن جهود وساطة الاستنباط من قبل الأعضاء أحاديي الثقافة كان لها تأثير سلبي أدى إلى انخفاض كبير في الأداء الإبداعي. وهذا يشير إلى أن الوساطة الثقافية لا تأتي دائما بنتائج إيجابية، وأن مصدر الوساطة الثقافية هو المحدد القوي لأثر هذه الوساطة في إبداع الفريق.

تأثير الثقافات المتنوعة في المنظمات
توضح نتائج هذه الدراسة أنه عندما يتم استدعاء أشخاص من ثقافات متنوعة للعمل معا، لا يتعامل هؤلاء الأشخاص مع اختلافاتهم بشكل منعزل، خاصة الأشخاص متعددي الثقافات الذين يلعبون غالبا دور الوسطاء الثقافيين ويقومون بمساعدة نظرائهم أحاديي الثقافة، ما يؤثر بشكل إيجابي في أداء الفريق.
يشير ذلك إلى إمكانية استفادة الشركات من تلك الاختلافات، على الرغم من عدم الإشارة إليها في التوصيف الوظيفي أو هيكلية المؤسسة.
علاوة على ذلك فإن من المفيد أن تفكر المنظمات في الظروف التي يمكن إيجادها لتسهيل الوساطة الثقافية. ففي حين يعد الأفراد متعددو الثقافات مناسبين جدا لملء دور الوسيط الثقافي، إلا أنهم قد يحتاجون إلى بعض الوقت والمساحة للقيام بذلك، إضافة إلى ضرورة توافر ثقافة تنظيمية تساعدهم على عملية الوساطة. على سبيل المثال، قد يكون من المفيد الاعتراف بهؤلاء الأعضاء كوسطاء ثقافيين محتملين، فليس من الضروري أن يكونوا دائما الأكبر سنا ضمن أعضاء الفريق.
لكل مؤسسة ظروفها الخاصة بها ومع ذلك بإمكان جميع الشركات الاستفادة بشكل أكبر من ميزة تعدد المعارف وتنوع وجهات النظر ضمن الفرق متعددة الثقافات. فعلى الرغم من كون إطلاق الإمكانات الإبداعية للفرق متعددة الثقافات أمرا معقدا ومتعدد الأوجه، إلا أن نتائج الدراسة التي أجريناها تشير إلى أهمية الوساطة الثقافية في حل هذه المعضلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي