Author

مؤسسات الطوافة .. بانتظار التغيير

|

في رمضان الماضي كتبت مقالين هنا تحدثت فيهما عن مشاهدات كثيرة عمّا يسمّى مؤسسات الطوافة، وهي مؤسسات فردية ضعيفة ومتناثرة أُوكلت إليها خدمة الحجاج بموجب أنظمة قديمة، وحظي المقالان بردود أفعال واسعة بين الرفض والتأييد؛ فأصحاب هذه المؤسسات يخشون التغيير ولا يريدون أن تفلت هذه الكعكة الثمينة من أيديهم. أما المؤيدون فكانوا يبادلونني الأفكار نفسها التي قلت فيها إن هذه المؤسسات انتهى عمرها الافتراضي تماماً ولم يعد يليق بها البقاء في ظل توجهات الدولة نحو تطوير خدمات الحج والعمرة. ولا بد من إسناد هذه الخدمات إلى شركات عملاقة قادرة على تحقيق تطلعات الدولة التي نصت عليها "رؤية 2030".
والحقيقة أنه منذ كتابة هذين المقالين إلى اليوم وقد أكملنا عاماً على هذا الطرح لا تكاد تمر أسابيع إلا ويصلني مزيد من الملفات المختلفة التي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك، أن وجود هذه المؤسسات الضعيفة بشكلها الحالي لن يكون سوى مضيعة للوقت وعائقاً كبيراً للتطوير المنتظر. ومن المؤسف أن هذه المؤسسات فيها كثير من شبهات الفساد والاحتكار والشللية وتواضع الخدمات المقدمة والإخلال بشروط العقود المبرمة؛ ما يسهم في إحراج الدولة أمام الحجاج الذين لا يدرك كثير منهم ما تبذله الدولة من وقت ومال وجهود ومشاريع جبارة من أجل أفضل الخدمات، ولكن يتم نسف ذلك كله بأخطاء مؤسسات قديمة تفتقد الرقابة وغير مواكبة للمتغيرات.
وحسب الإحصائيات، فدخل هذه المؤسسات يتجاوز مليار ريال سنوياً رغم أن أغلب الخدمات تقدمها الدولة وبكوادرها من خدمات الاستقبال والنقل والإسكان بمِنى والتفويج كلها بإشراف الدولة، ولا يتبقى سوى خدمات الإعاشة التي تقدم بشكل متواضع لا يتناسب مع حجم الأموال التي تجنيها مؤسسات الطوافة، فضلاً عن تدني إسهامها في توظيف الأيدي العاملة أو تحفيز الاقتصاد المحلي، ولا يُعقل أن يستمر هذا الخلل.
ومن أغرب ما وصلني ونقل لي من داخل هذه المؤسسات حيث أن هناك زعم أن بعض العائلات المحتكرة هذا النشاط تقيم خارج المملكة منذ سنوات، وتقوم بتعيين وكلاء لإدارة أعمال المؤسسة، ولا يهمها ماذا يقدم الوكلاء طالما أن الأرباح الموسمية تدخل في حساباتهم بانتظام.
أما وزارة الحج والعمرة، فما زالت غير قادرة على التعامل بقوة وشفافية مع هذه المؤسسات والمؤسسات الأخرى المشابهة. وما أكثر ما قرأت من التصريحات الإعلامية التي تتكرر كل عام وتعد بالتطوير وتغيير الأنظمة، بينما المشكلات والأخطاء التراكمية تتكرر كل عام دون أي تغيير يُذكر أو إجراء ممكن أن يسهم في تطوير الخدمات المقدمة. والحقيقة أنه ليس هناك بديل عن تدخل "صندوق الاستثمارات العامة" وبعض الشركات الوطنية العملاقة لتكون في المكان الصحيح؛ حيث سوق الحج والعمرة الواعدة والمتعطشة للاستثمارات النوعية التي تشكل قيمة مضافة لاقتصاديات الحج. ومثلما نجح الصندوق في دعم رؤية الدولة بتطوير القطاع السياحي المحلي بمشاريعه العملاقة في "نيوم" و"القدية" و"عكاظ"، فلا شك أن قطاع الحج والعمرة سيكون رهان المستقبل؛ حيث 60 ملياراً مازالت مبعثرة بانتظار القرار.

إنشرها