السياسية

العدالة الاجتماعية .. ماذا يستحق الناس ولماذا؟

العدالة الاجتماعية .. ماذا يستحق الناس ولماذا؟

العدالة الاجتماعية .. ماذا يستحق الناس ولماذا؟

خلَّدت دول العالم في 20 من شهر شباط (فبراير) اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية، الذي تم إقراره من طرف منظمة الأمم المتحدة بشكل رسمي خلال عام 2007، بغرض المساهمة في تحقيق العدالة الاجتماعية في المجتمعات الإنسانية.
يعتبر هذا اليوم بمنزلة مُنبه أممي لكل صُناع القرار والمسؤولين في العالم، لتقييم حجم الجهود التي بذلوها في بلدانهم ومناطقهم، والتفكير في مدى نجاحها ونجاعتها، فيما يخص تحقيق العدالة الاجتماعية للجميع بدون تمييز. وهل توفق هؤلاء في وضع قوانين وآليات حقيقية وفاعلة قصد تحقيق هذا الهدف داخل مجتمعاتهم، في جميع مجالات الحياة المختلفة، والأمور الرئيسية التي يحتاج إليها الفرد حتى يعيش حياة كريمة.
تُعد العدالة الاجتماعية مبدأ أساسيا من مبادئ التعايش السلمي داخل الأمم، وفيما بينها، الذي يتحقق الازدهار بموجبه، وفي ظله، ما يعني أن العمل على تحقيق المساواة بين الجنسين أو السعي إلى تعزيز حقوق الشعوب الأصلية والمهاجرين، يكون إعلاء لمبادئ العدالة الاجتماعية. وعندما تُزال الحواجز التي تواجهها الشعوب، بسبب نوع الجنس أو السن أو العرق أو الانتماء الاثني أو الدين أو الثقافة أو العجز، تكون الإنسانية قد قطعت شوطا بعيدا في النهوض بالعدالة الاجتماعية في العالم.
يأتي اختيار منظمة الأمم المتحدة "تنقل العمال طلبا للعدالة الاجتماعية" شعارا لسنة 2018، بغرض تعزيز ودعم توجه منظمة العمل الدولية التي اعتمدت في السنة الماضية "الإعلان الخاص بالوصول إلى العولمة المنصفة من خلال العدالة الاجتماعية"، الذي يركز على ضمان حصول الجميع على حصص عادلة من ثمار العولمة.
بعد أن تبين لها أن معظم حركات الهجرة في العصر الراهن، ترتبط ارتباطا مباشرا أو غير مباشر بقضية البحث عن فرص العمل اللائق. وحتى لو لم يكن العمل هو المحرك الرئيسي للأفراد، فإنه عادة ما يكون من الدوافع الأساسية في مسألة الهجرة التي تتخذ مؤشراتها منحى تصاعديا. فقد بلغ عدد المهاجرين؛ بحسب هيئة الأمم المتحدة، نحو 258 مليون مهاجر دولي. فيما تقدر أرقام منظمة العمل الدولية أن هناك 150 ألف عامل مهاجر على الأقل، 56 في المائة منهم رجال و44 في المائة نساء، ويبلغ العمال المهاجرون من إجمالي عدد العمال في العالم ما نسبته 4.4 في المائة.
تبقى مساعي الأمم المتحدة لكفالة وضمان العدالة الاجتماعية للجميع، جزءا أصيلا من الرسالة العالمية التي تسعى إليها هذه المنظمة، من خلال العمل على تحقيق التنمية، وصون كرامة الإنسان؛ بمحاربة التهميش الاقتصادي، وإقرار التوزيع العادل للثروات، وتحقيق الاستفادة من خيرات المجتمع بين الجميع.
لكن الحديث عن عدالة اجتماعية بدون ديمقراطية يبقى مجرد جعجعة بلا طجين، فلا مفر للدول والحكومات - إن رغبت في تجاوز معوقات تحقيق العدالة الاجتماعية - سوى إرساء ديمقراطية حقيقية في كافة أجهزة وهياكل الدولة والمجتمع. وذلك لقيام ارتباط عضوي بين الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ويفيد هذا أن الديمقراطية بدون عدالة اجتماعية لن تكون كاملة. فلن يستقيم أي مجتمع، ولا حق له في وصف نفسه بالمحكوم ديمقراطيا، طالما هناك فوارق طبقية في أوساطه؛ من خلال وجود فئة تسيطر على كافة وسائل الإنتاج والتوزيع، في حين يظل السواد الأعظم من المواطنين محروما.
إن العدالة الاجتماعية أولا وقبل كل شيء، منظومة من الاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، الهادفة إلى إزالة الفوارق الاقتصادية الكبيرة بين طبقات المجتمع، في أفق بناء ذلك المجتمع الذي تسود العدالة في كافة مناحيه، بدلا من انحصارها في عدالة القانون بمفهومها الضيق والمحدود.
يفرض هذا التحدي على الدول والحكومات بلورة سياسات عمومية واستراتيجيات وطنية، تتناسب مع إشكاليتها المحلية، وتتطلع إلى التعاون الدولي فيما بينها من منطلقات صلبة ومتينة، متى رغبت في إقامة أسس قوية للعدالة الاجتماعية.
تظل هذه الذكرى السنوية المحتفى بها؛ عالميا منذ عشر سنوات، مناسبة لمساءلة المؤسسات الدولية والإقليمية والوطنية حول حصيلة جهودها، في تعزيز التماسك الاجتماعي داخل البلدان. وفي مدى قدرتها على وضع سياسات اجتماعية منصفة، وآليات قانونية فعالة، ترتكز على إلزامية تؤمن ولوج المواطنين والمواطنات للاستفادة من كافة الحقوق الأساسية؛ من تعليم وصحة وتشغيل وسكن لائق.. وما إلى ذلك من الضروريات الأساسية للعيش الكريم، في أفق تحقيق الإدماج الاجتماعي، وتوفير الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر احتياجا.
وقد يرتقي هذا النقاش إلى مستوى أعمق وأعقد، عند البحث في مدى توافر هذه البلدان على "عدالة توزيعية" و"عدالة ضريبية"؛ خاصة على مستوى إعادة توزيع الدخول، وطريقة توزيع الأعباء الضريبية، وتأمين الخدمات الاجتماعية اللازمة لكل المواطنين للعيش بكرامة وإنسانية.
هذا النقاش الذي قد يبدو للبعض جديدا على الساحة السياسية، ليس كذلك في الساحة الفكرية والجبهة الأكاديمية بين الكتاب والمفكرين والمنظرين، حيث نجد الأمريكي مايكل ساندل أستاذ الفلسفة السياسية في جامعة هارفارد، يتساءل في كتابه الشهير الموسوم بعنوان "العدالة ما الجدير أن يعمل به؟" قائلا "أن تسأل ما إذا كان المجتمع عادلا، هو أن تسأل كيف يوزِّع الأشياء التي يُثمِّنها: الدخل والثروة؛ الواجبات والحقوق؛ السلطات والفرص؛ المناصب والتشريفات. والمجتمع العادل يوزّعها بالطريقة الصحيحة: إذ يعطي كل ذي حق حقه. والأسئلة الصعبة تبتدئ حينما نسأل: ماذا يستحق الناس، ولماذا؟".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من السياسية