سلوكيات المستهلك .. قوة ذات تأثير في المنتجات

ليس من السهل إقناع المستهلكين بشراء منتج جديد. وينبغي لهم اعتماده بعد عملية الشراء، ما يشكل بدوره عقبة كبيرة. تأتي مقاومة المستهلكين للمنتجات الجديدة بأشكال عدة، وغالبا ما يستخف بمدى تأثر المستهلك بسلوكياته القديمة. لكن فهم هذه الظاهرة قد يحول دون ضياع جهود الشركة في البحث والتطوير ويحمي ابتكاراتها من الفشل. ما ينوي المستهلك القيام به وما يفعله أمران مختلفان كليا. ففي مرحلة ما، أقدم معظمنا على شراء منتج بنية استخدامه لكننا لم نقم بتلك الخطوة، قد يكون ذلك المنتج مجرد عبوة فيتامينات، أو عطرا جديدا أو عجلة رياضية.

توجد آليات للمقاومة
تعد سلوكيات المستهلك بمنزلة قوة مؤثرة ينبغي للمسوقين الاستفادة منها عوضا عن محاربتها. باشرنا الدراسة باستطلاع شمل 150 مشاركا يعملون في MTurk، طلبنا منهم تسمية منتجين قاموا بشرائهما خلال الأشهر الستة الفائتة، أحدهما قاموا باستخدامه بشكل دوري، والآخر كانوا يعتزمون استخدامه لكنهم لم يقوموا بذلك. قام المشتركون بتسمية مجموعة واسعة من المنتجات بدءا من الإلكترونيات حتى الأدوات المنزلية. تم إعطاء المشاركين 13 سببا محتملا لعدم استخدامهم المنتج الذي اشتروه ليختاروا منها، فكانت الإجابة الأكثر شيوعا التي مثلت ربع المشتركين: "عدت إلى عادتي القديمة واستخدمت المنتج الذي اعتدت استخدامه". الأسباب الخمسة الأكثر شيوعا لاستخدام المنتج نادرا على الرغم من وجود نية لاستخدامه. توصلنا خلال الاستطلاع إلى نتيجة أخرى مفادها أن 63 في المائة من المشاركين وجدوا أن المنتج الذي اعتادوا استخدامه قد حل مكان منتج آخر سبق أن اعتادوا استخدامه. فقط 25 في المائة من المشاركين أشاروا إلى أن المنتج الذي استخدموه بشكل نادر كان دخيلا على حياتهم. لتوضيح ذلك، دعونا نتوقف عند منتجات مثل "التوفو" و"حليب الصويا" اللذين تم اعتمادهما في الولايات المتحدة، تم إنتاج "التوفو" في الولايات المتحدة في 1878، أي قبل قرن من إنتاج حليب الصويا (1985). على الرغم من ذلك لقي "حليب الصويا" انتشارا أوسع، ويرجع ذلك إلى حقيقة أنه من السهل استبدال الحليب. في حين لم يلق "التوفو" الانتشار ذاته، وبسبب عدم وجود معادل أساسي واضح، كان عليه أن يفرض نفسه على العادات الغذائية للأمريكيين. ولكن من خلال إجراء تجربة عقب الاستطلاع لتقييم الآلية التي تكمن خلف العودة إلى عاداتنا، ثم وضعنا استراتيجيتين للتغلب عليها، وقسمنا خلال الدراسة 70 طالبا جامعيا إلى ثلاث مجموعات، قاموا بتجربة معطر جديد للغسيل يتعارض مع ما اعتادوا استخدامه، وبذلك سيكون من السهولة العودة مرة أخرى إلى عاداتهم القديمة. طلبنا من المجموعة الأولى استخدام المنتج على ملابس سبق أن ارتدوها ويرغبون في ارتدائها مجددا. تلقى أفراد المجموعة الثانية التعليمات ذاتها، لكن طلب منهم تحديد متى وأين وكيف يرغبون في استخدام معطر الملابس، على سبيل المثال: عند ارتداء ملابسي صباحا، أقوم بشم الملابس التي أرغب في ارتدائها مجددا، فإذا ما كانت رائحتها غير محببة فسأستخدم معطر الملابس. الهدف من استراتيجية "إذا ــ ثم" أنها تساعد على استخدام المنتج من خلال إيجاد دافع سلوكي ينطوي على تكوين عادة لم تكن موجودة سابقا. مثل باقي المشتركين، تلقت المجموعة الثالثة معلومات أساسية، لكن طلب من المشاركين استخدام معطر الغسيل كبديل عما اعتادوه في عملية الغسل حينها، أي ما يفعلونه عادة مع الملابس التي ارتدوها سابقا ويرغبون في ارتدائها مرة أخرى. العادات أشبه بمواطن الخلل في السلوك كما هو متوقع، كان المشاركون من المجموعة الثالثة الأكثر نجاحا في استخدام منتج الغسيل الجديد كونهم ربطوه بعاداتهم الحالية، واستخدموا معطر الغسيل أكثر من المجموعة الأولى بنسبة 19 في المائة "13.28 مرة مقابل 11.17 مرة على مدى أربعة أسابيع"، كما كانت نتيجة المجموعة الثانية التي اعتمدت استراتيجية "إذا ــ ثم" مشابهة للمجموعة الأولى. كما تأكدنا أن المشاركين في الدراسة الذين يتبعون عادات صارمة وواضحة في طريقة الغسل يميلون للرجوع إلى روتينهم المعتاد بغض النظر عن نيتهم في استخدام المنتج الجديد وتقييمهم له، هو أمر مماثل لحدوث خلل في التحكم في السلوك بشكل عقلاني، فحتى عندما يميل المستهلكون إلى استخدام منتج جديد، تبقى العادات عائقا خلال قيامهم بذلك. وجدنا في نهاية المطاف أن المشاركين عادة ما يفشلون في استخدام المنتج الجديد في حال لم يعيروا أهمية كبيرة لعملية غسل الملابس، فعدم إيلاء الاهتمام يحملهم على العودة إلى عاداتهم القديمة من دون تفكير. ما الذي يتعين على المسوقين فعله؟ على الرغم من كون المنتجات أو الخدمات قد تبدو مرغوبة إلا أنها قد لا تستخدم في حال تعارضت مع السلوكيات الحالية. يشير بحثنا إلى أهمية دراسة العوائق التي تحول دون استخدام المنتج في سياق حياة المستهلك اليومية. وقد يأتي ذلك على شكل بحوث إثنوغرافية "أي مراقبة الأشخاص أثناء استخدامهم منتجا ضمن بيئتهم الخاصة"، وأشكال أخرى من الخبرات الواقعية. كما قد يكون مفيدا وجود تقارير عن الاستخدام الفعلي للمستهلكين. ينبغي للمسوقين الاستفادة من سلوكيات المستهلكين بدلا من محاولة محاربتها. وقد يتعين عليهم النظر في استراتيجيات معينة مثل اتخاذ عادات المستهلك كأساس لاستراتيجيتهم التسويقية. فعندما يتعلق الأمر بالتغيير السلوكي، لا يوجد أسلوب واحد يناسب جميع الحالات، بل العثور على الأسلوب الملائم بين المنتج والعادات الفعلية للمستهلكين. توجد أمور أخرى عديدة يمكن القيام بها عندما يتعلق الأمر بطريقة تعبئة وتغليف أو تصميم المنتجات، ومن الأمثلة الناجحة، المحليات المبيعة في أكياس يسهل حملها، وكذلك أكياس التسوق المصنوعة من النايلون المطوية بحجم صغير، والدراجات الثابتة ذات شاشات ومقابس للسماعات تخول الأشخاص مشاهدة برامجهم التلفزيونية المفضلة أثناء ممارسة الرياضة. في النهاية سيكون الفشل مصير أكثر من نصف المنتجات الجديدة، لكن يستطيع المسوقون النجاح في حال عدم تجاهلهم تأثير عادات وسلوكيات المستهلك، ومن الذي يمتلك القدرة على تحويل عدو سابق إلى صديق؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي