هل تتراجع صادرات الخام الأمريكي في السنوات المقبلة؟

بين عامي 2000 و2012، كانت صادرات النفط الخام الأمريكية ضئيلة جدا، وعادة أقل من 50 ألف برميل يوميا، وبشكل رئيس إلى كندا، وذلك تمشيا مع القيود التي أدخلتها الولايات المتحدة لأسباب تتعلق بأمن الطاقة في سبعينيات القرن الماضي. ولكن هذه الكميات بدأت تتزايد منذ عام 2015 مع تصاعد إنتاج النفط والغاز الصخري، ما دفع المشرعين في نهاية المطاف، تحت الضغط الشديد من قبل المنتجين، إلى رفع الحظر عن الصادرات في نهاية عام 2015. ومنذ ذلك الحين، ارتفعت الصادرات من بضع مئات من آلاف البراميل يوميا إلى معدل بلغ حتى نهاية 2017 أكثر من مليون برميل يوميا، وفقا للبيانات الصادرة عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، بما في ذلك الرقم القياسي البالغ 2.13 مليون برميل يوميا في الأسبوع المنتهي في 27 تشرين الأول (أكتوبر).
ويعزى الارتفاع الكبير في الصادرات في الأشهر الأخيرة ــــ الذي بلغ في المتوسط 1.5 مليون برميل يوميا في الربع الرابع 2017 ـــ إلى عدد من العوامل المؤقتة، بما في ذلك الأضرار التي لحقت بمصافي ساحل الخليج الأمريكي في أواخر آب (أغسطس) الماضي بسبب إعصار هارفي. وقد أسهم ذلك في بناء كبير في المخزونات الإقليمية في الولايات المتحدة، ما أدى إلى اتساع الفجوة بين خام غرب تكساس الوسيط وبرنت إلى أكثر من سبعة دولارات للبرميل، ما يجعل الخام الأمريكي جذابا للغاية للمشترين، حتى أولئك المشترين غير التقليديين للنفط الأمريكي مثل الهند.
في هذا الجانب، تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن تستمر الصادرات الأمريكية في تحقيق مستويات قياسية في المستقبل المنظور، مدعومة بارتفاع إنتاج النفط الصخري خلال العقد المقبل. غير أن بعض الظروف الداعمة القصيرة الأجل التي جعلت من السهل نسبيا على المنتجين الأمريكيين تأمين أسواق أجنبية جديدة يمكن أن تتغير أو تتضاءل خلال السنوات القليلة المقبلة.
وتشمل هذه الظروف اتفاق منظمة أوبك لخفض الإنتاج، الجهود التي تبذلها بعض الدول المستهلكة للنفط لتقليل الفوائض التجارية الثنائية مع الولايات المتحدة، وتخفيف القيود المفروضة على واردات النفط الخام من قبل الصين على ما يسمى مصافي "إبريق الشاي" teapot.
ومن بين هذه العوامل الثلاثة، أدى اتفاق "أوبك" وحلفائها من خارج المنظمة إلى سحب نحو 1.8 مليون برميل يوميا من النفط الخام من الأسواق العالمية، وهو الأهم. وقد كان الامتثال للاتفاق جيدا بوجه عام، وساعد على إيجاد مجال لزيادة الصادرات الأمريكية في العام الماضي، التي وصلت إلى ما يقرب من 500 ألف برميل عام 2017 فوق متوسط عام 2016.
وكان العامل المؤقت الأكثر أهمية لفتح أسواق خارجية جديدة للنفط الخام الأمريكي هو محاولات الحكومات الأجنبية خفض فوائضها التجارية الثنائية مع الولايات المتحدة لتجنب الأعمال التجارية الانتقامية المحتملة من قبل إدارة ترمب.
وكان أكثر العوامل المحلية المؤيدة لنمو صادرات النفط الخام في الولايات المتحدة هو الحرية الجديدة لاستيراد النفط الخام الممنوحة لمصافي إبريق الشاي في الصين، وهي عادة مصاف صغيرة مستقلة بمتوسط طاقة تكرير نفط خام يبلغ 70 ألف برميل يوميا. وحرصت الصين على دعم القطاع الخاص وتوفير منافسة في قطاع التكرير لشركات النفط الوطنية المهيمنة، حيث أنهت في عام 2015 سياستها القائمة منذ أمد طويل على تقييد حصول مصافي إبريق الشاي على النفط الخام الأجنبي، ومنحتها حصة من واردات النفط الخام بلغت 64.11 مليون طن أو ما يقرب من 1.28 مليون برميل في اليوم في العام الماضي، من المتوقع أن ترتفع إلى 101.7 مليون طن هذا العام.
وأخيرا، فإن "كيف" و"متى" ينتهي اتفاق "أوبك" وحلفائها من خارج المنظمة لخفض الإنتاج يشكل أخطارا جسيمة على جميع الدول المصدرة للنفط من حيث قدرتها على تقويض أسعار النفط. وقد حذرت السعودية بالفعل من أنها تخطط لاستعادة حصتها في السوق التي فقدتها في مختلف البلدان عندما تنتهي اتفاقية خفض الإنتاج في نهاية عام 2018. وبالنسبة لصادرات النفط الخام في الولايات المتحدة، فإن هذا قد لا يكون خطيرا كما يبدو في المدى القصير على الأقل، من حيث التنافس المباشر مع باقي المصدرين، على الرغم من أنه يمكن أن يسبب صعوبات على المديين المتوسط والطويل.
وقد شكلت التخفيضات في الصادرات إلى الولايات المتحدة ما يقرب من ثلاثة أرباع خفض السعودية بمقدار 486 ألف برميل يوميا بموجب اتفاق منظمة أوبك، وهو قرار استراتيجي من قبل السعودية الذي سمح لها بالحفاظ على الصادرات إلى أسواقها الرئيسة في آسيا والمحيط الهادئ، التي شكلت ما يقرب من ثلثي صادرات المملكة من النفط الخام في عام 2016. وقد اكتسبت المملكة في الواقع حصة سوقية في اليابان والصين في الأشهر الثلاثة حتى تشرين الأول (أكتوبر) 2017 مقارنة بالفترة نفسها من العام الذي سبقه تقدر بنحو 13 و2.5 في المائة على التوالي، بينما خسرت ما يقرب من 5 في المائة في كل من كوريا الجنوبية والهند.
لكن، على المدى الطويل، فإن الارتفاع السريع لصادرات النفط الخام الأمريكية يمكن أن يؤثر أيضا في الحصة السوقية لباقي المصدرين وخصوصا دول "أوبك". وتتوقع وكالة الطاقة الدولية الآن أن يرتفع إنتاج النفط الصخري إلى 8.5 مليون برميل يوميا بحلول عام 2025، مقارنة بنحو أربعة ملايين برميل يوميا في عام 2017. وبما أن صناعة التكرير في الولايات المتحدة ليست موجهة لمعالجة كميات كبيرة من النفط الخفيف ـــ الحلو، وهي على أي حال قريبة بالفعل من الطاقات التصميمية، فإن زيادة إنتاج النفط الصخري الخفيف في الولايات المتحدة، ينبغي أن توجه بالكامل نحو صادرات النفط الخام، ما يشكل تحديا طويل الأمد لدول "أوبك" وغيرها من المنتجين المتنافسين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي