الأسعار غير المبررة تؤثر في سلوك المستهلكين
مع أول أيام تطبيق ضريبة القيمة المضافة ورفع أسعار الطاقة بدأت الأسواق مرتبكة إلى حد بعيد. هذا الارتباك، وإن كان طبيعيا ومتوقعا، لكن من المهم مناقشته، وهل كانت الجهات الحكومية مستعدة بما فيه الكفاية أم لا. وعلى الرغم من أن الجهات الرقابية أعلنت استعدادات كافية لمراقبة الأسواق، كما شكلت لجانا من عدد من الجهات المختلفة، إلا أن الفوضى كانت أكبر بكثير من قدرة هذه الجهات على تنفيذ وعودها. ففي تقرير نشرته "الاقتصادية" أظهر أن تباينا في ردات الفعل بين البائعين والمشترين كان واضحا، وظهر أن المؤسسات التجارية كانت على استعداد كاف لمقابلة متطلبات الضريبة حتى أسرع مما يجب، بينما لم تكن الجهات الرقابية ولا حتى المستهلكين في أحسن حالاتهم. ففي أول يوم من أيام العام الجديد تبين أن فواتير المنشآت التجارية كانت معدة، على اختلاف أنواعها، من أجل احتساب ضريبة القيمة المضافة، وهنا يظهر أن التحذيرات التي أطلقتها هيئة الزكاة والدخل والغرامات التي أعلنتها كانت فعالة بشكل مثير للدهشة. وقد كانت التوقعات تشير إلى حدوث ارتباك واسع من قبل المؤسسات التجارية في تنفيذ فرض الضريبة وأن الفواتير لن تكون جاهزة وهذا ما عول عليه كثير من المستهلكين، لكن واقع السوق فرض إيقاعا مختلفا على عكس ذلك تماما. وهذا قد يشير إلى أن التوقعات بحصيلة الضرائب ستتجاوز التنبؤات، وقد ينعكس هذا أيضا بشكل إيجابي على مستويات العجز المتوقعة.
من جانب آخر، فإن التقارير أشارت إلى أن استعدادات التجار تجاوزت مسألة إعداد فواتير الضريبة، بل وصلت حتى رفع الأسعار وكانت التبريرات في الموعد، بينما لم تكن الجهات الرقابية كذلك، لقد أظهر تقرير "الاقتصادية" أن الأسعار تجاوزت 50 في المائة ارتفاعا، بل بلغ بعضها 100 في المائة على أساس أن ذلك يأتي من تأثير الضريبة على الرغم من أن المخزونات كانت عند مستوياتها القصوى في جميع المؤسسات على اختلافها وذلك قبل فرض الضريبة من أجل تجنب أثر الضريبة في المواد الأولية. مع ذلك فإن الأسعار تجاوبت وبشكل كبير وسابق لأن يصبح تأثير الضريبة في المواد الخام حقيقيا. وعلى الرغم من جهود وزارة التجارة التي تجاوزت ستة آلاف زيارة لمنشآت تجارية مختلفة، وتحرير 247 مخالفة على تلك المنشآت، وتلقيها آلاف الشكاوى، وهنا لم تكن الجهات الرقابية موجودة، وكثير من السلع تبحث عن مستويات سعرية أعلى وجديدة. لكن المشهد لم يكن يقف عند هذا الحد، بل بدا أن عديدا من المؤسسات التجارية رأت أن الحفاظ على الحصص السوقية أهم من ملاحقة التغيرات السعرية الجديدة وعلى أساس اختبار ردة فعل المستهلكين والجهات الرقابية أمام التغيرات الجديدة، مع ذلك فقد سجلت التقارير أن هناك محال روجت لنفسها بتحملها الضريبة ورفع لافتة "خل الضريبة علينا". ومع ذلك رفعت أسعار منتجاتها فعليا بنسب وصلت إلى 10 في المائة متحايلة على المستهلكين، كما تجاوزت شكاوى المستهلكين مجرد التلاعب بالأسعار، لتصل إلى حد تعمد المحال عدم توافر العملات المعدنية "الهلل" من قبل المتاجر، وكذلك عدم توفير شبكات السحب الآلي "النهايات الطرفية" وهذا كله من أجل جبر كسور الريـال. وعلى هذا الأساس، فإن جهودا أكبر مطلوبة لضبط الأسواق ومعاقبة التجار الذين يقدمون مصالحهم على مصلحة البلاد، لأن الارتفاعات غير المبررة على الأسعار واستغلال التغيرات الهيكلية يؤثران بشكل أكبر في سلوك المستهلكين وبالتالي خطط الدولة.