خسائر في اقتصادات الشرق الأوسط .. ما الحلول؟ «3 من 3»

تؤدي السياسات الاقتصادية الكلية والمؤسسات دورا كبيرا في خفض أثر الصراع، حتى أثناء الصراع نفسه، للحد من الضرر الفوري وتحسين الآفاق الاقتصادية طويلة الأجل للبلد. وأثناء الصراع، ينبغي أن تركز الحكومات على ثلاث أولويات:
1 - حماية المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية من التوقف عن العمل أو الفساد: يمكن أن يساعد ذلك على الحد من انتشار الفقر وكذلك دعم الخدمات الحيوية. فيمكن أن تتداخل الاضطرابات في البنوك المركزية مثلا مع نظم المدفوعات التي تعد ضرورية لرواتب القطاع العام ولإدارة احتياطيات النقد الأجنبي لسداد قيمة الواردات المطلوبة. ومن الأمثلة المشجعة خطة استمرارية العمل لسلطة النقد الفلسطينية، التي أدت دورا أساسيا في الحفاظ على تشغيل نظام المدفوعات والإطار الاحترازي الكلي القوي خلال الفترات التي شهدت زيادة الضغوط، مثل التوتر الذي حدث في غزة في عام 2014.
2 - ترتيب أولويات الإنفاق العام لحماية الأرواح البشرية، والحد من زيادة عجز المالية العامة، وقدر الإمكان المساعدة على الحفاظ على النمو الاقتصادي المحتمل: تسعى هذه السياسات إلى التصدي بشكل مباشر للتحديات المتمثلة في الإضرار برأس المال البشري والمادي. ويمكن أن يؤدي الحفاظ على بعض الانضباط في المالية العامة إلى خفض الأعباء من على عاتق الحكومة بعد انحسار العنف. وفي العراق، على سبيل المثال، تضع السلطات خططا بالاشتراك مع البنك الدولي وجهات أخرى لتوجيه الاستثمارات العامة إلى المناطق الجغرافية التي تمت استعادتها من "داعش" بعد عنف شديد، بهدف تحقيق مكاسب سريعة لتحسين الخدمات العامة واستعادة التماسك الاجتماعي ووضع الأساس للنمو. وفي أفغانستان، حاولت الحكومة الجديدة في عامي 2002 و2003 الحفاظ على انضباط المالية العامة وتوفير الخدمات الأساسية للسكان بمساعدة خارجية. وركزت الحكومة على الإنفاق على الأمن والتعليم والصحة والمساعدة الإنسانية. وكانت الظروف صعبة للغاية نظرا لفقدان الموظفين المؤهلين في وزارة المالية عقب الهجرة خلال سنوات الحرب والتدمير الجزئي للبنية التحتية للمكاتب الإقليمية للوزارة والأضرار التي تعرضت لها البنية التحتية للاتصالات والنقل.
3 - وتحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي والتطور المالي من خلال سياسات نقدية وسياسات بشأن سعر الصرف تتسم بالفعالية: يمكن للسياسات المناسبة أن تساعد على احتواء التضخم وتقلب سعر الصرف اللذين يؤديان إلى تفاقم الأثر السلبي الذي تتعرض له مستويات المعيشة. ويقدم لبنان مثالا جيدا على ذلك. ففي أعقاب تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في عام 1989، ظل اقتصاد البلد هشا لعدد من السنوات. وفي عام 1992، طبقت السلطات سياسة ارتكاز اسمية تستند إلى سعر الصرف تستهدف تحقيق زيادة اسمية طفيفة في الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأمريكي. ونجحت هذه السياسة في تحقيق الاستقرار للتوقعات وانخفض التضخم إلى معدلات من رقم واحد.
ومع الأسف، تبين التجارب في المنطقة أنه من الصعب تنفيذ أولويات السياسات هذه في أوقات الهشاشة الاجتماعية السياسية، عندما يقع صناع السياسات في مأزق بين أهداف متعددة — وغالبا ما تكون متنافسة.
وبعد انحسار الصراع، ينبغي أن يتحول تركيز السياسات إلى إعادة البناء والتعافي الاقتصادي. غير أنه ثبت صعوبة تحقيق ذلك نظرا لأن البلدان تكون لا تزال تعاني الهشاشة حتى بعد انتهاء أسوأ أشكال العنف. وكثيرا ما لا يكون لدى الحكومات السيطرة الكاملة على كل الأراضي التي تقع ضمن حدودها ويظل الأمن بعيد المنال. وفي هذه الأوقات، ينبغي أن تسعى السياسات الاقتصادية إلى توطيد السلام. وينبغي أن تكون الأولوية القصوى هي إعادة بناء المؤسسات وتحديثها وتعبئة الموارد لإعادة البناء ودعم النمو الأكثر قوة والشامل للجميع. ولكن غالبا ما تكون تكلفة إعادة البناء باهظة، خاصة عندما تتداخل الصراعات في المنطقة. وبينما لا يزال يتعين تقدير تكلفة إعادة البناء في ليبيا وسورية واليمن، فإن تقديرات البنك الدولي تشير إلى أن الأضرار تبلغ ما قيمته 300 مليار دولار حتى الآن.
وهناك دور مهم للشركاء الخارجيين لمساعدة البلدان التي تتعافى من الصراع. ويمكن لهؤلاء الشركاء، بما في ذلك المؤسسات المالية الدولية، دعم توفير التمويل للبلدان أو حتى المساهمة بجزء بنفسها لاستكمال الجهود المحلية المبذولة لتعبئة الإيرادات. وتحتاج البلدان المنخرطة في صراعات لا محالة إلى قدر كبير من الدعم في مجال بناء القدرات بعد انتهاء الحرب وكذلك إلى تمويل للأغراض الإنسانية وإعادة البناء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي