الفشل يطارد مشروع القطار المغناطيسي على الساحل الأمريكي

الفشل يطارد مشروع القطار المغناطيسي على الساحل الأمريكي

كان لا بد أن يعم الشعور بالحماس فيما يخص مشروع القطار المغناطيسي المعلق الجديد المقررة إقامته على الساحل الشرقي الأمريكي، وذلك لأسباب عديدة من بينها أنه يقلل زمن الرحلات ويوفر فرص عمل في مجال الإنشاءات علاوة على المكانة التي يجلبها هذا المشروع على البلدات التي يمر بها.
لكن على الرغم من ذلك، فإن هناك مقاومة ضارية لهذا المشروع سواء من زعماء المجتمع المحلي أو من جانب السكان المحليين الذين يعيشون على امتداد المسار المقترح للقطار الذي يمر من واشنطن إلى بلتيمور.
وبحسب "الألمانية"، فقد ظلت فكرة إقامة خط القطار على جزء من طريق سفر مزدحم على امتداد الساحل الشرقي الأمريكي محل نقاش لفترة تزيد على عشرة أعوام، كما طرحت هذه الفكرة في دراسة رسمية استمرت أكثر من عام.
وتتحرك هذه النوعية من القطارات المتقدمة التي تعرف باسم "ماجليف" على قضبان من المغناطيسات التي تتحكم في سرعتها وثباتها، وبدون الاعتماد على عجلات أو أي أجزاء أخرى متحركة، تصل هذه القطارات إلى سرعات فائقة تبلغ أكثر من 600 كيلو متر في الساعة خلال التجارب، كما أنها تسير على نحو أكثر هدوءا وسلاسة مقارنة بالقطارات التقليدية.
وتتمتع القطارات المغناطيسية المعلقة بأفضلية بالنسبة إلى الرحلات بين المدن، مثل المسافة بين العاصمة الأمريكية وبلتيمور التي تبلغ 70 كيلو مترا، نظرا لأنها توفر البديل الأفضل لرحلات السيارات على الطرق السريعة المكتظة بالحركة، حيث تقلل معدل انبعاث ثاني أكسيد الكربون، ولا سيما في المناطق عالية الكثافة السكانية في مناطق الشمال الشرقي الأمريكي.
ومن المقرر أن يسير على المسار المقترح بين واشنطن وبلتيمور قطار مغناطيسي معلق فائق التوصيل، وهو يعتبر أحدث قطار تجاري فائق السرعة على الإطلاق في العالم، على حد قول مؤيدي المشروع، وسيقلل زمن الرحلة مقارنة بالقطارات التقليدية بواقع 40 دقيقة إلى نحو 15 دقيقة تقريبا.
وتعمل قطارات مغناطيسية معلقة في دول أخرى مثل القطار المغناطيسي التجاري في الصين الذي يعتبر الأسرع من نوعه في العالم ويعمل من شنغهاي إلى هانجزو وتصل سرعته إلى 400 كيلو متر في الساعة.
ويحظى القطار المغناطيسي الأمريكي بدعم حاكم ميريلاند وبعض أعضاء الكونجرس في الولاية، وقامت الحكومة الاتحادية بتمويل المشروع بمنحة بحثية ضخمة تصل قيمتها إلى 27.8 مليون دولار، مدعومة بمبلغ مليوني دولار إضافي من اليابان.
وعرضت اليابان تقديم قرض بقيمة خمسة مليارات دولار للمساعدة في بناء المشروع كما أنها ستتنازل عن رسوم الترخيص، وطورت طوكيو هذه التقنية وهي حريصة على نشرها في أجزاء أخرى من العالم بغرض المساعدة في تعزيز اقتصادها.
وتعقد الدراسة مقارنة بين ثلاثة مسارات محتملة للقطار، لكنها واجهت معارضة من السكان الذين يشعرون بالقلق من احتمالات خسارة منازلهم ومشاريعهم التجارية جراء عمليات نزع الملكية التي تقوم بها الحكومة من أجل مشاريع المنفعة العامة.
وتعارض مدينة جرينبلت، التي تم تخطيطها في ثلاثينيات القرن الماضي بواسطة السيدة الأولى الأمريكية آنذاك إلينور روزفلت، مشروع القطار لأن اثنين من مساراته المقترحة يمران من خلالها مباشرة، فضلا عن أن القطار لا يتوقف حتى في المدينة أو في أي بلدات أخرى في طريقه.
وبعث عمدة جرينبلت ومجلس المدينة برسالة إلى إدارة النقل في ولاية جرينلاند يعربون فيها عن معارضتهم المشروع.
كما تعارض المشروع جماعة أهلية تطلق على نفسها اسم "مواطنون معارضون للقطار المغناطيسي فائق التوصيل" وتضم هذه الجماعة ألفي عضو على موقع فيسبوك.
ويقول دينيس برادي الذي يتولى رئاسة مجلس إدارة المجموعة "إنها تأسست عندما شاهدنا حجم الدمار الذي سيلحقه هذا المشروع بكثير من المجتمعات السكانية".
ومن أكثر الأشياء التي تثير قلق برادي غياب المعلومات بشأن مصادر تمويل هذا المشروع، ويفيد تقرير لإدارة النقل في ولاية ميريلاند أنه سيتم بناء المشروع بمزيج من مصادر التمويل الاتحادية والدولية والخاصة.
ويشعر برادي بالقلق من أن تكلفة بناء المشروع ستقع على عاتق دافعي الضرائب الذين من الممكن استخدام أموالهم في تحسين الطرق وشبكات السكك الحديدية القائمة، على حد قوله.
وفي دراسة لها، خلصت شركة "أمتراك"، وهي أكبر شركة لقطارات الركاب في الولايات المتحدة إلى أنه سيكون من الأجدى تحسين شبكات السكك الحديدية القائمة بدلا من بناء شبكة جديدة، وقد حصلت الشركة بالفعل على قروض بقيمة 2.5 مليار دولار للقيام بهذا التطوير وكذلك لشراء قطارات فائقة السرعة.
وشككت الجماعة الأهلية في العدد المتوقع لركاب القطار المغناطيسي المعلق، حيث إنه يزيد بواقع الضعف على الأقل عن عدد الركاب الحالي الذين يستقلون خط واشنطن بلتيمور الخاص بشركة أمتراك.
ويشير أنصار المشروع إلى العدد التقديري للوظائف التي سيوفرها في مجال الإنشاءات في ولاية ميريلاند وحدها ويبلغ 74 ألف وظيفة، مع النمو المتوقع في معدلات الدخل العام الذي سيعقب مثل هذا النوع من مشاريع التحديث.
وتقول إدارة النقل في ميريلاند "إن المشروع سيوفر أيضا 1500 وظيفة أخرى في مجال التشغيل، كما تتوقع أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي للولاية بواقع 6.5 مليار دولار خلال الإنشاء وبواقع 268 مليون دولار سنويا بعد الافتتاح".
ويوضح ديفيد هينلي مدير المشروع أن "هذه النتائج سيتم الشعور بها ليس فقط في الولاية بل في البلاد بأسرها"، وليست هذه هي المرة الأولى التي يقترح فيها إقامة مشروع قطار مغناطيسي معلق في الولايات المتحدة، كما أن مشاريع أخرى مماثلة جابهت تحديات كبيرة في مناطق أخرى في العالم.
وفي عام 2006، تعرض قطار مغناطيسي معلق لحادث في منشأة تجارب قرب مدينة لاثان في ألمانيا ما أسفر عن مقتل 23 شخصا عندما اصطدم القطار بعربة صيانة على القضبان، وخلص التحقيق إلى أن الحادث ناجم عن خطأ بشري، وأغلقت المنشأة عام 2011.
وتدرس الحكومة الألمانية إقامة مشروع قطار مغناطيسي معلق للربط بين مركز مدينة ميونخ ومطارها، لكن هذا المشروع تم إلغاؤه بعدما تضاعفت ميزانية إقامته.
وإضافة إلى قطارها في شنغهاي، تمتلك الصين قطارا مغناطيسيا معلقا آخر في مدينة تشانجشا التي تقع على بعد 650 كيلو مترا شمال هونج كونج، كما أنه من المقرر البدء في تشغيل قطار ثالث في العاصمة بكين العام المقبل.
وفي حين إن القطار المغناطيسي في شنغهاي هو أسرع قطار تجاري من نوعه، فإن اليابان تحتفظ بالرقم العالمي للسرعة، وهو 603 كيلو مترات في الساعة، وقد تم تسجيله خلال عملية تشغيل تجريبية، وما زال الخط الياباني تحت الإنشاء، ومن المقرر تشغيل الخط بالكامل الذي يمر عبر العاصمة طوكيو في عام 2027.

الأكثر قراءة