الأمير فيصل بن عبدالعزيز أول سياسي عربي كبير يزور موسكو ويرأس وفد المملكة

الأمير فيصل بن عبدالعزيز أول سياسي عربي كبير يزور موسكو ويرأس وفد المملكة
الأمير فيصل بن عبدالعزيز أول سياسي عربي كبير يزور موسكو ويرأس وفد المملكة
الأمير فيصل بن عبدالعزيز أول سياسي عربي كبير يزور موسكو ويرأس وفد المملكة
الأمير فيصل بن عبدالعزيز أول سياسي عربي كبير يزور موسكو ويرأس وفد المملكة
الأمير فيصل بن عبدالعزيز أول سياسي عربي كبير يزور موسكو ويرأس وفد المملكة
الأمير فيصل بن عبدالعزيز أول سياسي عربي كبير يزور موسكو ويرأس وفد المملكة
الأمير فيصل بن عبدالعزيز أول سياسي عربي كبير يزور موسكو ويرأس وفد المملكة

ما إن تذكر العلاقات السعودية الروسية إلا ويتذكر المؤرخون والباحثون ثلاث أوليات تاريخية في هذه العلاقات التي تمتد إلى فترة ما قبل توحيد السعودية؛ الأولى هي أن الاتحاد السوفييتي هي أول دولة تعترف بالملك عبدالعزيز ملكاً للحجاز وسلطان نجد وملحقاتها وذلك في 16 فبراير 1926م (3 شعبان 1344هـ) حيث جاء اعترافها سابقاً لاعتراف جميع الدول بل إن اعتراف بريطانيا وفرنسا لم يأت إلا بعد نحو أسبوعين من الاعتراف السوفييتي، وقد نشر نص هذا الاعتراف على صدر الصحيفة الرسمية (أم القرى).
أما الأولية التاريخية الثانية فهي كون زيارة الأمير فيصل بن عبدالعزيز آل سعود نائب الملك على الحجاز ووزير الخارجية لموسكو في عام 1932م هي أول زيارة من نوعها يقوم بها زعيم عربي أو سياسي عربي كبير.
والأولية التاريخية الثالثة هي ما رجحه المؤرخ الروسي ألكسي فاسيلييف في كون أول مرة في التاريخ ترفرف فيها على الأنحاء السوفييتية راية كتب عليها "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، كانت صباح 29 مايو 1932م عندما وصل الأمير فيصل بن عبدالعزيز إلى محطة بيلوروسكي في العاصمة موسكو.

رحلة الأمير فيصل بن عبدالعزيز إلى أوروبا في عام 1932
كان للأزمة الاقتصادية العالمية التي عصفت بالعالم خلال (1929-1933) تأثير كبير في الجزيرة العربية فيما كان تزامنها مع موجة الجفاف التي اجتاحت نجد والحجاز سبباً في زيادة حدة الأزمة مع تقلص الصادرات.
الأمر الذي دفع الملك عبدالعزيز لإرسال بعثة سياسية برئاسة ابنه فيصل الذي تولى وزارة الخارجية في عام 1930م إلى عدد من الدول الأوروبية لدعم العلاقات الدبلوماسية مع هذه الدول وكذلك لمحاولة الحصول على اتفاقيات مالية وتأمين الاستقرار المالي لدولته الناشئة مع بحث إمكانات التعاون في كافة المجالات مع هذه الدول.
لقد كانت هذه الرحلة هي الرحلة الخارجية الثالثة للأمير فيصل ولكنها كانت أول رحلة يقوم بها بوصفه وزيراً للخارجية وقد بدأت رحلته من جدة في 12 أبريل 1932 (6 ذوالحجة 1350) وانتهت في الرياض في 18 يوليو 1932م (14 ربيع الأول 1351) حيث استغرقت أكثر من ثلاثة أشهر وشملت ثماني دول أوروبية، هي إيطاليا، وسويسرا، وفرنسا، وبريطانيا، وهولندا، وألمانيا، وبولندا (بولونيا)، والاتحاد السوفييتي، وقد رافقه في هذه الرحلة فؤاد حمزة وكيل الخارجية، وموظفان هما خالد الأيوبي، وشاهر سمان، وخادم الأمير فيصل المسمى مرزوق، وكذلك حارسه الشخصي وكانوا جميعاً يرتدون الزي العربي التقليدي الذي كان من المناظر اللافتة والعلامات الفارقة التي تميزوا بها في تلك الرحلة.

مذكرات فؤاد حمزة عن الرحلة إلى موسكو
وقد كتب فؤاد حمزة (1924 – 1951) في مذكراته تفاصيل دقيقة عن برنامج رحلة الأمير فيصل بن عبدالعزيز الطويلة وأعمالها في كل دولة من الدول التي تمت زيارتها ولعل كتابته هذه من أهم المصادر لهذه الرحلة لأنه أحد المشاركين في أحداثها وقد جاءت في سياق مذكراته التي نشرتها دارة الملك عبدالعزيز في العام الماضي التي نختزل منها في هذا الإيجاز ما يختص بزيارة الاتحاد السوفييتي لإعادة ذكرى هذه الزيارة بمناسبة زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لموسكو.
وذكر فؤاد حمزة في مذكراته أنهم غادروا محطة وارسو في بولندا في القطار عند انتهاء زيارتهم الرسمية لها في السبت الموافق 28 مايو 1932م، حيث وصلوا إلى الحدود الروسية عند الساعة الرابعة بينما وصف فؤاد حمزة عند وصوله تلك الحدود انطباعه فقال:" يدل منظرها على الكآبة ونوع مخصوص من الحزن والألم والارتياع"، وقد قابلهم موظفو الحدود وأخذوا منهم الجوازات ثم بعد بضع دقائق وصلوا إلى محطة أخرى قابلوا فيها مجموعة من الموظفين الروس من أبرزهم كريم حكيموف الذي كان معتمداً رسمياً في الحجاز (1926-1929م) وتم إدخالهم إلى قطار مخصوص تحيط به الحراسات من كل جهة حيث باتوا تلك الليلة في القطار.
وفي اليوم التالي الأحد 29 مايو 1932م، وصلوا إلى موسكو في الساعة العاشرة فاستقبلوا بكل حفاوة واهتمام واستعرضت أمامهم قطع من الجيش المشاة والخيالة والعسكر يحيطون بالمكان في أبهى صورة، وقد تعرفوا خلال ذلك على بعض الشخصيات الروسية الرسمية ثم أنزلوا البعثة في قصر صغير كان لأحد أغنياء الروس القدماء، وقد فرش بأحسن الفرش ولكن تظهر عليه آثار زوال العز فلا عناية ولا نظافة ولا تلك الأبهة التي ترمز المفروشات والغرف والأدراج لها.
وفي الساعة الحادية عشر ذهبوا إلى قصر الكرملين لزيارة رئيس الجمهورية (رئيس اللجنة التنفيذية المركزية السوفييتية) فقابلوا ميخائيل كالينين – خليفة لينين- ويلمح فؤاد إلى الفرق الشاسع بين الاثنين. ثم زاروا بعد ذلك وزارة الخارجية وقابلوا المعاونين الثلاثة لوزير الخارجية نظراً لغياب وزير الخارجية (ليتفنوف) عن موسكو.
ثم رجعوا إلى قصر خاص برئاسة الجمهورية حيث أقام لهم رئيس الجمهورية مأدبة غداء، تحدث بعد ذلك عن رد وكيل الخارجية (كريستنسكي) الزيارة لهم في مقر إقامتهم وإظهاره الحفاوة بهم وإكرامه لهم.
وفي اليوم الثالث للزيارة الموافق الإثنين 30 مايو 1932م ذهبوا لمشاهدة سباق الخيل ، كما قرروا تغيير برنامج الزيارة بإلغاء حضورهم استعراض ليننغراد ومراجعتهم الحكومة في ذلك، كما قابلوا الرفيق إيساف المسؤول عن تجارة الشرق بكاملها وتناقشوا معه في أمور عامة دون الاستقرار حول نقطة معينة، كما أبرقوا للملك عبدالعزيز برقية يخبرونه فيها عن وصولهم وأعمالهم.
وفي اليوم الرابع زار فؤاد حمزة الرفيق إيساف وتباحث معه لمدة ساعتين عما يمكن عمله في المستقبل من أجل التجارة مع روسيا حيث اتفقا على عرض ما توصلا إليه على حكومتيهما وهو حصر الشراء من روسيا على الحكومة دون سواها، وتخصيص اعتماد مبلغ مليون جنيه للشراء يستهلك في سنتين أو ثلاث سنوات، والوفاء بسداد الاعتماد يكون في مدة طويلة من 10-15 سنة، وفي حالة عدم الاتفاق السياسي للحصول على قرض لمدة طويلة يكتفى بالاتفاق التجاري.
وقد طلب فؤاد من الروس نسخة من محضر المباحثات وتم الإبراق للملك عبدالعزيز بذلك، وفي هذا اليوم تلقوا رداً من الحكومة الروسية حول تغيير برنامج الزيارة الذي طلبوه حيث لم تجد الحكومة الروسية باخرة تسافر من أوروبا في الموعد المطلوب وبناء على ذلك فالبعثة مضطرة لقبول السفر إلى ليننغراد.
وقامت البعثة بزيارة الكرملين زيارة أخرى لمشاهدة ما يحتويه من المجوهرات والآثار النفيسة القديمة، كما زاروا رئيس الوزراء الرفيق مولوتوف الذي رد إليهم الزيارة في مقر إقامتهم في الساعة السادسة والنصف.
في اليوم الخامس لبّوا دعوة الغداء عند سفير إيران باكرفان خان، كما تجولوا في موسكو وأطرافها وعلى ملاعب العمال وحضروا عرضاً في السيرك، وتلقوا برقية من الملك عبدالعزيز حول أعمالهم في بولندا.
وفي اليوم السادس للزيارة ذهبوا إلى معسكر الجيش لمشاهدة القطع والتدريبات والمناورات العسكرية التي نظمت خصيصاً لأجل هذه الزيارة، وحضروا مأدبة الغداء التي أقامها لهم الجنرال كامنيف غالب كولتشاك.
وكان مقرراً أن يسافروا بعد منتصف الليل إلى ليننغراد أو بطرسبرج ولكنهم رحلوا إليها في الساعة العاشرة والنصف من صباح يوم الجمعة 3 يونيو 1932.
ويصف فؤاد حمزة المدينة بأنها مدينة فخمة يستدل من مدخلها على أنها كانت ذات هيبة، وقد نزلوا في فندق إستوريا البديع، وزاروا معمل صنع التلفونات الذي أهدى للأمير فيصل سنترالاً لعدد اثنين وعشرين جهاز تلفون، كما زاروا المتحف وشاهدوا فيه الآثار التي حازت إعجابهم، ليشاهدوا بعد ذلك في أحد المسارح رواية باللسن ابنة الثلج ويحضروا عرضاً في السيرك.
وفي صباح اليوم التالي زارت البعثة مؤسسة دراسات النباتات الأجنبية لمعرفة أيها يصلح لبلاد السوفييت، وبعد الغداء اتجهوا إلى بيترهوف حيث قصور إمبراطورة الروس فشاهدوا ما فيها من الآثار والأواني والصور والمياه، ليعودوا إلى موسكو بعد منتصف الليل.
وقد صلوا موسكو في الساعة العاشرة والنصف من صباح الأحد 5 يونيو 1932م حيث تم استقبالهم وفق بروتوكولات الاستقبالات الرسمية المعتادة في روسيا، ليتناولوا الغداء على مائدة (قره خان)- نائب مفوض الخارجية - في مقر إقامتهم، لتصلهم برقية بموافقة الملك على القرض المليوني وعلى عقد المعاهدة السياسية في سبيل ذلك، فكان جواب قره خان أنه لا بد من عقد اتفاق سياسي أولاً ليكون أساساً للأعمال الأخرى، كما لا يمكن جعل الاتفاق السياسي مقابل القرض أو الاعتماد.
فكان لذلك أثر في نفوس أفراد البعثة وعلى رأسها الأمير فيصل فصارحوا قره خان بذلك موضحين له أنه كان جديراً بالحكومة الروسية أن تذكر رغبتها في تقديم المسألة السياسية بكل شفافية، وأما ترك ذلك إلى آخر لحظة فإن ذلك يشير إلى رغبة الحكومة في عدم الوصول إلى تفاهم حول هذه المسائل المشتركة، وطالما انحصر البحث في أساسه في المسائل الاقتصادية فمن الواجب إتمام ذلك ثم ينظر في المسائل السياسية، فوعدهم بعرض الموضوع على الحكومة.
في الساعة الثامنة والنصف من مساء ذلك اليوم استقلت البعثة القطار متجهة إلى أوديسا على ساحل البحر الأسود ومروا في طريقهم بمدينة كييف عاصمة أوكرانيا اليوم، قبل وصولهم أوديسا صباح يوم الثلاثاء 7 يونيو 1932م حيث أخذوا جولة على شاطئ البحر ثم عادوا إلى الفندق، ليتناولوا الغداء على مأدبة مجلس الحكومة في دائرة الحكومة.
وعند الساعة الثانية والنصف بعد الظهر اتجهوا إلى الميناء ليركبوا الباخرة الروسية كاوتسكي، المتجهة إلى إسطنبول في تركيا، وكانوا قد أبرقوا برقية إلى الملك عبدالعزيز بشأن توجه الحكومة الروسية وأن الرد ربما يصل لاحقاً بواسطة القنصل السوفييتي في جدة نذير تورقولوف.
وبهذا اختتم فؤاد حمزة مذكراته عن رحلة الأمير فيصل بن عبدالعزيز إلى روسيا في عام 1932، والحقيقة أن هناك جوانب أخرى عن هذه الزيارة لم يذكرها فؤاد حمزة ولكن أشارت إليها المصادر الروسية منها ما ذكره ألكسي فاسيلييف عن الاستقبال الرسمي في ليننغراد وأوديسا، وكون الأمير فيصل أجرى مباحثات مع جميع المسؤولين السوفييت ما عدا ستالين، وكذلك مأدبة الإفطار التي أقامها كالينين للأمير والكلمات المتبادلة بينهما أثناءها وغير ذلك من التفاصيل التي يتعلق بعضها بفؤاد حمزة نفسه.
الأمر الذي تجدر إضافته هنا أن البعثة رجعت إلى أراضي الاتحاد السوفييتي بعد ثلاثة أسابيع عندما أنهت زيارتها إلى تركيا في رحلة عبور ترانزيت، إذ استقلوا الباخرة إلى باطوم ومنها القطار إلى تفليس في جورجيا ثم باكو في أذربيجان حيث ركبوا البحر إلى ميناء بهلوي الإيراني.

الأكثر قراءة