«دومة الجندل» توثق اسمها في خريطة الطاقة العالمية
وصفها باحثو الجيولوجيا بأنها "طريق الرياح"، واكتسبت شهرتها وأهميتها بعد أن استخدمت في نشرات الأخبار الجوية في كثير من القنوات الفضائية لخصوصيتها الجغرافية، لارتفاع درجات حرارتها صيفا وانخفاضها شتاء بأرقام قياسية قد تكون على مستوى العالم، إضافة إلى تاريخها من التراث السياحي الذي يسجل نقطة مهمة في حضارة التراث السعودي.
إنها دومة الجندل، التي يبلغ عدد سكانها نحو أكثر 50 ألف نسمة طبقا لآخر إحصائية رسمية، وما زالت مؤشرا ومحطة رئيسة للسياحة والتراث.
وجاءت هذه المدينة لتخطف الأضواء هذه الأيام وتدخل عصر الطاقة من أوسع أبوابها، وتسجل اسمها في خريطة الطاقة العالمية، عقب إعلان وزارة الطاقة أخيرا فتح ترسية مشاريع لطاقة الرياح فيها، إذ تعد إحدى محافظات منطقة الجوف وتقع جنوب غرب مدينة سكاكا (عاصمة المنطقة) التي تبعد عنها بنحو 50 كيلو مترا، وتزخر بالمواقع التاريخية والأثرية كقلعة مارد ومسجد عمر بن الخطاب وتتميز بوفرة مياهها وعذوبتها.
ويقول لـ "الاقتصادية" الدكتور طلال مشل التمياط؛ محافظ دومة الجندل، إن مشروع إنتاج طاقة الرياح يعتبر أكبر مشروع اقتصادي حيوي في المنطقة ويتوقع أن يكون له عائد كبير مع دخول مستثمرين ورجال أعمال جدد في المنطقة، فضلا أن تستفيد المنطقة منه اقتصاديا وسياحيا وإيجاد وظائف جديدة لأبناء المنطقة.
وأضاف التمياط، أنه بحكم تاريخ المنطقة القديم الذي يعود إلى نحو ثلاث آلاف سنة، يتوقع أن ينتعش قطاع السياحة بشكل أكبر من السابق باعتبار مشروع توليد الطاقة من الرياح فريدا، ويدخل ثقافة جديدة تدخل على المنطقة بشكل خاص والمملكة بوضع عام.
وتعود تسمية دومة الجندل كما ذكر ياقوت الحموي في معجم البلدان، نسبة إلى حصن بناه دوماء بن إسماعيل، أما الجندل فهي الحجارة، ومفرده: جندلة، وعلى هذا يكون معناه الحصن الذي بناه دوماء في منطقة ملأى بالحجارة، وكان يُضرب المثل بمناعة حصن دُومة وشدته.
وتقع دومة الجندل على صخور تنتمي إلى الدرع العربي، وهي من أهم المناطق الجيولوجية بالمملكة وقد وصفها الجيولوجيون بـ "طريق الرياح"، وتبعد عن العاصمة السعودية الرياض نحون 900 كيلو مترا وعن العاصمة المقدسة مكة المكرمة نحو 1220 كيلو مترا.
ويعد مناخ مدينة دومة الجندل بصورة عامة، صحراويا قاريا بارد شتاء وحار جاف صيفا ومتوسط درجة الحرارة العظمى فيه 42 درجات مئوية في الصيف ومتوسط درجة الحرارة شتاء 8.5 درجة مئوية وشهر تموز (يوليو) هو أكثر أشهر السنة حرارة في الجوف، بينما تنخفض الحرارة في شهر كانون الثاني (يناير) الذي يعد أكثر أشهر السنة برودة، حيث تصل إلى ما بين درجتين وسبع درجات تحت الصفر، ويصل متوسط سقوط الأمطار إلى 200 ميليمتر تقريبا.
وظهرت مدينة دومة الجندل (الجوف) في العهد الآشوري، كما أن هناك نصوصا مكتوبة تتحدث عنها تعود إلى القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد، كما تشير المصادر الآشورية إلى دومة الجندل بـ"أدوماتو" أو "أدمو"، وكذلك وقوعها ضمن ممتلكات قبيلة قيدار العربية.
وعاصرت مدينة دومة الجندل (التاريخ منذ أقدم أزمانه، وبالتحديد منذ أيام الآشوريين. وورد ذكرها في كثير من الكتب التاريخية، وفي أشعار بعض كبار الشعراء، ما يدل على المكانة التي كانت تحتلها كإحدى بوابات شبه الجزيرة العربية، عقدة مواصلات ما بين سورية والعراق وشبه الجزيرة العربية، وتدل الآثار الكثيرة الموجودة في مدينة دومة الجندل، التي عنيت إدارة الآثار بدراستها وتسجيلها واستقرائها، على الدول والأقوام الذين تعاقبوا على الجوف كالآشوريين والأنباط، كما أن ملكة تدمر الشهيرة زنوبيا غزتها ولكنها عجزت عن الاستيلاء عليها بسبب مناعة تحصينها.
كما حكمها امرؤ القيس متخذا منها قاعدة له، وامتد نفوذه شمالاً حتى الأردن. وقد ظلت دومة الجندل ممرا للجيوش والقوافل التجارية المتجهة إلى بلاد الشام والعراق ونظرا لموقعها الاستراتيجي، ما أكسبها قيمة اقتصادية كبيرة عبر التاريخ، وردت في معظم الكتب التاريخية والجغرافية العربية، كما وضع عدد من الرحالة الأوروبيين كتباً أوردوا فيها مدينة دومة الجندل وحللوا الأحداث التاريخية التي مرت بها منذ أيام الآشوريين حتى انضمامها في عهد الملك عبد العزيز.
وبنيت دومة الجندل من الحجارة على مرتفع يطل على دومة الجندل القديمة من الجهة الجنوبية، بارتفاع 2000 قدم تقريبا، ويعتقد أن القلعة قد بنيت في الألف الثانية أو الثالثة قبل الميلاد، وقد أعيد بناء بعض أجزاء منها وذلك لطول فترة استخدامها، أما الجزء الأكبر منها فقد ظل على حالته القديمة.
وتتكون القلعة من الداخل من مجموعة من الغرف إضافة إلى أربعة أبراج في جهات القلعة الأربعة وكانت تستخدم للمراقبة كما يوجد فيها مسجد الخليفة عمر بن الخطاب، ويقع هذا المسجد في وسط المدينة القديمة وهو ملاصق لحي الدرع من الجهة الجنوبية.
ويعتبر من أهم المساجد الأثرية في المملكة، حيث إنه يمثل استمرارية لنمط تخطيط المساجد الأولى في الإسلام، وينسب للصحابي عمر بن الخطاب، ويقال إنه بناه سنة 17 للهجرة أثناء توجهه إلى البيت المقدس، وقد بني المسجد من الحجر، ورمم أكثر من مرة، كما تتبع للمسجد مئذنة بنيت من الحجر بارتفاع نحو 7.12م حيث يقول أحد المؤرخين السعوديين إنها أول مئذنة في الإسلام.
ولعل من المواقع البارزة في دومة الجندل سورها الذي يقع في الطرف الغربي من مدينة دومة الجندل، وقد تم الكشف عنه في عام 1406 من قبل وكالة الآثار والمتاحف ويبلغ ارتفاع السور نحو 4.5 متر وهو مبني من الحجر.
كما أن هنالك معلما تضاريسيا مهما وهي البحيرة التي تقع في الجهة الشرقية من دومة الجندل، وتكونت نتيجة تصريف مياه الأمطار والمزارع الموجودة داخل المحافظة وهي بازدياد نتيجة المياه التي يضخها مشروع الري والصرف، وتعد هذه البحيرة في حال استثمارها على مستوى سياحي أكبر من الأماكن السياحية التي تجذب زوار المحافظة لها.