آفاق مالية ذكية «1 من 2»
نحن نعيش في عالم يشهد تغيرات اقتصادية جذرية، حيث أدى الابتكار التكنولوجي السريع إلى إعادة تشكيل جوهرية لطريقتنا السابقة في الحياة والعمل. وفي هذا السياق، زاد ترابط البلدان أكثر من أي وقت مضى بسبب التجارة والتمويل الدوليين، والهجرة، ووسائل التواصل على مستوى العالم، ما عرض العمالة لمنافسة خارجية أكبر. وبينما حققت هذه التغيرات منافع هائلة، فقد أفضت أيضا إلى شعور متنام بعدم اليقين وانعدام الأمن، ولا سيما في الاقتصادات المتقدمة. وتتطلب الظروف الراهنة حلولا جديدة أكثر ابتكارا، وهو ما يسميه الصندوق سياسات المالية العامة الذكية. ونعني بالسياسات الذكية أنها سياسات تسهل التغيير، وتسخر ما ينطوي عليه من إمكانات النمو، وتحمي المتضررين منه. وفي الوقت نفسه، أدى الاقتراض المفرط ومستويات الدين العام القياسية إلى الحد من الموارد المالية المتاحة لدى الحكومة. وبالتالي، أصبح على سياسة المالية العامة أن تحقق مزيدا بموارد أقل. ولحسن الحظ، بدأ الباحثون وصناع السياسات يدركون أن أدوات المالية العامة أوسع وأقوى مما كانوا يظنون. وهناك خمسة مبادئ إرشادية ترسم حدود هذه السياسات المالية الذكية، ويمكن استخدام سياسة المالية العامة لتمهيد تقلبات الدورة الاقتصادية، وهو ما يعرف باسم السياسة المضادة للاتجاهات الدورية، ففي أوقات العسر، يتم تخفيض الضرائب وزيادة الإنفاق لزيادة الموارد لدى الشركات والمستهلكين؛ وفي أوقات اليسر، يتم تخفيض الإنفاق وزيادة الضرائب. وللسياسة المالية العامة دور أكبر في تحقيق الاستقرار الاقتصادي اليوم مقارنة بالسابق، لأن البنوك المركزية في كثير من الاقتصادات المتقدمة خفضت أسعار الفائدة حتى تكاد تصل إلى الصفر وأشرفت السياسة النقدية على الوصول إلى حدودها القصوى. وفي الظروف العادية، ينبغي أن تعتمد سياسة المالية العامة المضادة للاتجاهات الدورية على "أدوات الضبط التلقائي"، أي على النفقات والإيرادات التي يمكن أن تتكيف مع ما يمر به الاقتصاد من فترات صعود وهبوط. ومثال ذلك تأمينات البطالة، ففي فترات الهبوط الاقتصادي، يصبح من فقدوا وظائفهم مؤهلين تلقائيا للحصول على إعانات حكومية. ولكن أدوات الضبط التلقائي تلك قد لا تكون كافية في البلدان التي تشهد ركودا طويل الأمد التي بلغت أسعار الفائدة فيها أدنى المستويات الممكنة، مثل اليابان. وفي مثل هذا الموقف، يمكن أن يكون التحفيز المالي المؤقت أداة فعالة في كسر دائرة التراجع التي يتعاقب فيها النمو المنخفض والتضخم المنخفض والدين المرتفع. وعلى الطرف الآخر من طيف الاقتصادات، ينبغي سحب الدعم المالي في الاقتصادات التي تتسم بتراخ اقتصادي محدود بوجه عام. فالولايات المتحدة، على سبيل المثال، تقترب الآن من مستوى التشغيل الكامل، ويمكن أن تبدأ العام المقبل في تخفيض عجز الموازنة لوضع الدين العام على مسار تنازلي مطرد. ولكن استخدام سياسة المالية العامة لتمهيد تقلبات الدورة الاقتصادية لا يكون ممكنا في كل الحالات. فبعض البلدان قد تضطر إلى التركيز على تخفيض عجز المالية العامة بغض النظر عن الأوضاع الدورية. وعلى سبيل المثال، تعرَّضت البلدان المصدرة للنفط للضرر، من جراء انخفاض سعر النفط الخام بأكثر من 50 في المائة بعد الذروة التي بلغها في عام 2011. ويجب على هذه البلدان تخفيض الإنفاق للوصول به إلى مستوى يتناسب مع انخفاض الإيرادات. وقد بدأت هذه البلدان بالفعل في إجراء هذا التعديل، ومن المتوقع أن ينخفض عجز موازناتها العامة المجمعة بنحو 150 مليار دولار في 2017 و2018. يمكن استخدام إجراءات الضرائب والإنفاق لدعم المحركات الثلاثة للنمو الاقتصادي طويل الأجل، وهي (رأس المال، والعمالة، والإنتاجية).
ـ رأس المال: في كثير من البلدان، هناك دواع قوية لزيادة الاستثمار العام نظرا لانخفاض تكاليف الاقتراض ومواطن الضعف الكبيرة في البنية التحتية.
ـ العمالة: ينبغي أن تواصل البلدان تشجيع إيجاد الوظائف والمشاركة في سوق العمل.
ـ الإنتاجية: هناك طائفة من السياسات يمكن أن تعزز الإنتاجية، ومنها إدخال تحسينات على النظام الضريبي. "يتبع"..