لماذا نصدق كل ما يتطابق مع ميولنا؟
أشتغل حاليا على نظرية جديدة أطلقت عليها مصطلح haktology.
ركبتها من مفردتين، الأولى hakken التي كانت دارجة في اللغة الإنجليزية القديمة واشتقاقها الحديث hack. المفردة ربما صارت واحدة من أكثر المفردات استخداما في الإعلام لأنها تشير إلى عملية اختراق إلكتروني للحصول على المعلومات أو تنسيب معلومات معينة إلى مؤسسة أو شخص لا علاقة لهما بها.
الشق الثاني من المصطلح استقيته من الكلمة اليونانية ontology "الأنطولوجيا"، وهي فرع أو حقل معرفي يعنى بطبيعة الوجود أو الكينونة.
النظرية تحاول تفسير ظاهرة استحصال المعلومات بطريقة سرية وغير شرعية إضافة إلى التسريبات وإدخال معلومات غير صحيحة في الحواسيب ومن ثم نسبها إلى أشخاص لا ناقة ولا جمل لهم فيها.
وكذلك تسعى النظرية إلى تقديم منهج علمي كي يستند إليه الباحثون لتوضيح المسارات التي تأخذها هذه الظاهرة وكيف ولماذا تتقاطر إليها وسائل الإعلام ومن ثم الطرائق والمسارات التي تأخذها المعلومات التي يتم الحصول عليها حتى تتحول إلى محتوى يمكن نشره وبثه.
لا أظن بإمكاننا اليوم تجاوز نظرية كهذه لسبب بسيط وهو أن الأخبار والتقارير التي تعتمد على معلومات تم الحصول عليها من خلال الاختراق أو الاقتحام الإلكتروني أو التسريب صارت اليوم ظاهرة تعيش معنا ونعيش معها والإعلام منهمك لا بل مهووس بها.
كل نظرية جديدة تحتاج إلى كثير من الجهد والبحث أولا كي تتم ملاحظتها من قبل باحثين آخرين، وثانيا أن تتم البرهنة على الفرضيات التي أتت بها من خلال أبحاث تستند إلى المعطيات والبيانات ودراسات الحال والبراهين التجريبية.
ما لاحظته حتى الآن هو أن الناس لا يهتمون كثيرا بمصداقية المعلومة أو إن كان في الإمكان التحقق منها. الناس بصورة عامة ينجذبون إلى المعلومة إن رأوها موائمة ومدافعة عن ميولهم ومواقفهم ومنتقصة ومعادية للناس والمواقف التي تعاكسهم.
وإن كانت المعلومة تميل إلى ما أنا عليه من موقف، أهرع إليها قراءة وسمعا ومشاهدة وأسهم في إبلاغها ونشرها بغض النظر عن مصداقيتها. في هذه الحالة يهرع غريمي إلى تفنيدها وتبيان عدم مصداقيتها لأنها في الأساس تنتقص منه.
والعكس صحيح. أنا أحاول تفنيد وعدم نشر لا بل إن أمكن وأد المعلومة التي تنتقص من مواقفي وميولي بينما يغتبط غريمي لها.
والأنكى من ذاك أن تأثير نشر معلومات كاذبة وغير موثقة، أي لا يمكن التحقق منها، كبير جدا في متلقيها.
وأخطر من هذا وذاك، فإن هذا التأثير لا يضمحل ولا يمكن أن يعوض عن الأذى الذي تحدثه المعلومة غير الموثقة حتى إن تم اكتشاف زيفها.
والإعلام يسهم في تثبيت أقدام فرضيات كهذه. هناك دراسات أكاديمية تؤكد أن نشر المعلومة التي لا يمكن التحقق منها على نطاق واسع يؤثر في الناس أكثر بكثير من تفنيد المعلومة بعد أن أخذت مداها في التوزيع والنشر.
وكذلك تبرهن هذه الدراسات أن الإعلام لا يمنح الأهمية ذاتها لتفنيد معلومة كان قد نشرها سابقا، وأحيانا كثيرة تهمل وسائل الإعلام نشر التفنيد ولا سيما إن كان يعاكس ميلها وبوصلتها.
لم يعد من الصعوبة بمكان تقديم براهين تدعمها المعطيات ودراسات الحال أو الأدلة التجريبية على بروز ظواهر وفرضيات كهذه التي أصبحت ترافق إعلام اليوم، إعلام القرن الـ 21، ولما كان لها هذا الوقع الكبير لولا وسائل التواصل الجماهيري التي مكنت اليوم قراصنة ولصوص الكمبيوتر من تحقيق مدخولات وفيرة قد تصل أحيانا الى عشرة آلاف دولار في الشهر جراء ما يحصلون عليه من ريع الإعلانات على هذه المواقع. أي أن القرصنة ونشر الأخبار الكاذبة صارتا اليوم من المهن المربحة.
هذا بعض ما تقدمه نظرية haktology.