نظام عالمي جديد يضبط سوق التجارة الإلكترونية البالغة 25 تريليون دولار
عرض الاتحاد الأوروبي مقترحات سلسلة جديدة تتعلق بالتجارة الإلكترونية لتنظيم المسائل التجارية الرقمية، وهي مقترحات تجنَّبت، بشكل واضح، الضغط على الأزرار الساخنة التي تمس موضوعات ذات خلاف مثل الأمن الفضائي، وتدفقات البيانات عبر الحدود.
وتهدف المقترحات الجديدة إلى إعطاء منظمة التجارة العالمية مزيدا من الرقابة على سوق التجارة الإلكترونية العالمية التي يراوح حجمها بين 22 و25 تريليون دولار.
وقال الاتحاد الأوروبي إنه سيناقش المقترحات في اجتماع وزراء التجارة الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في باريس الأسبوع المقبل، حيث سيتم حث الوزراء على صياغة أحكام للتجارة الرقمية مُلزمة قانوناً في المؤتمر الوزاري لمنظمة التجارة في بوينس آيريس في كانون الأول (ديسمبر) المقبل.
وطبقاً للنص الذي حصلت "الاقتصادية" على معلومات عنه من البعثة التجارية الأوروبية في جنيف، فقد دعا الاتحاد الأوروبي الدول الأعضاء في المنظمة إلى معالجة أربع مسائل محددة لتأمين "مناخ ملائم" يُساعد في الوصول إلى اتفاق على التجارة الرقمية، هي: حماية المُستهلك، والسلوك غير القويم من الطرفين المتعاقدين، والتوقيع الإلكتروني، والعقود الإلكترونية.
ويبتعد الاقتراح بوضوح عن قضايا التجارة الرقمية الساخنة التي هيمنت على مناقشات منظمة التجارة، مثل الخصوصية، والأمن الفضائي، وحياد الشبكة، وتدفق المعلومات عبر الحدود، وإجراءات تحديد المعلومات.
لكن هذه المقترحات تكشف، من جهة أخرى، ما هي القضايا التي ترى بروكسل أنها الأكثر استعداداً للاتفاق عليها في الاتفاقية العالمية المُقبلة حول التجارة الإلكترونية.
ومصير الاقتراح الأوروبي غير واضح في أفضل الأحوال، خاصة أن شبكة التجارة الإلكترونية أصبحت الآن أكثر تعقيداً عن بداياتها الأولى في أول الألفية الثالثة بل حتى في تسعينيات القرن الماضي، كما أن الدول الأعضاء انغمست في نقاشات حادة على مدى سنين في قضايا عديدة تراها مترابطة، مثل: تسهيل تدفق البيانات العابرة للحدود، ومبادئ الحياد الصافي في المعلومات، وحماية التشفير، وكلمات المرور، وتشجيع الآليات المبتكرة للتشفير، ومعايير أمن الفضاء الحاسوبي، ومتطلبات الخصوصيات المحلية، وحماية خصوصية المستهلك، وغيرها من التعزيزات الأمنية، ومنع فرض الرسوم الجمركية على سلع التجارة الإلكترونية، وتأمين مبادئ أساسية تقوم على عدم التمييز، وتأمين شبكة إنترنت مجانية ومفتوحة، ومنع العوائق على التجارة الإلكترونية، وضمان المنافسة الحرة بين الشبكات، وبناء إطار عام للتجارة الإلكترونية قابل للتكيف مع المبتكرات الجديدة، وتوحيد المفاهيم والمصطلحات المعنية بالتجارة الإلكترونية، وحماية المستهلك من الاحتيال، وتأمين أساليب مبتكرة للتحقق من هويات الأطراف المتعاملة بالتجارة الإلكترونية، وتأسيس مقاييس عالمية للتشغيل التفاعلي - الانسيابي للتجارة الإلكترونية، وتأمين إجراءات جمركية سريعة وأكثر شفافية للتجارة الإلكترونية، وضمان مشاركة واسعة وشفافة لأصحاب المصلحة في وضع وتطوير معايير وأنظمة ولوائح التجارة الإلكترونية، بين مسائل أخرى.
ومن غير المرجح أن يتمكن المفاوضون التجاريون في جنيف من إبرام أي اتفاقية طموحة تضع أحكاماً متعددة الأطراف للتجارة الإلكترونية خلال عام 2017، على الرغم من الاتجاه المتزايد للدول الأعضاء لإبرام اتفاقية تجارية رقمية، وكان الاتحاد الأوربي قد قاوم بشدة ربط مفاوضات التجارة الإلكترونية ضمن إطار اتفاقية منظمة التجارة حول التجارة في الخدمات.
وخلال العام الماضي، قدمت ما يقرب من 12 دولة عضوا في منظمة التجارة، ومنها الصين، وباكستان، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، سلسلة أوراق استهدفت وضع مفاهيم أساسية لاتفاقية مُقبلة للتجارة الإلكترونية. وجاء أوضح اعتراض لأحكام اتفاقية جديدة للتجارة الإلكترونية من الهند وجنوب إفريقيا، اللذين حاججا بأنه ينبغي على المنظمة أن تختتم أولاً مفاوضات جولة الدوحة المُعلَّقة منذ سنوات قبل التحرك نحو قضايا جديدة.
وتحث المقترحات الأوروبية الدول الأعضاء على اعتماد أو الحفاظ على تدابير تُسهم في تعزيز الثقة بهذه التجارة التي تجري عن بُعد، بحماية المستهلكين على الشبكة العنكبوتية من الممارسات التجارية الاحتيالية أو الخادعة على الإنترنت.
وفحوى المقترحات أنه إذا ما أرادت الدول الأعضاء أن تنطوي على دعم هذه الجهود، وتنسيق نشاطات هيئاتها المحلية لحماية المستهلك، وتأمين عدم استلامهم الرسائل الإلكترونية التجارية غير المرغوب فيها (سبام) بمطالبة الشركات الحصول على موافقة المستهلك المسبقة قبل تلقي هذه الرسائل، وإتاحة حقوق قانونية للمستهلكين تكفل لهم عدم تلقي مثل هذه الرسائل في المستقبل.
وتقتصر الأحكام الواردة في الاقتراح الأوروبي حول الرسائل غير المرغوب فيها على "عناوين البريد الإلكتروني"، ومن غير الواضح ما إذا كانت هذه الأحكام ستُطبَّق فقط على البريد الإلكتروني، أو على الرسائل النصية، وأنظمة خدمات الرسائل والاتصالات مثل "واتساب" و"سكايب".
ودعا الاتحاد الأوروبي أعضاء منظمة التجارة إلى الإعتراف بـ"سلطة التوقيعات الإلكترونية في الإجراءات القانونية"، وتجنب القواعد التي تعيق "التوثيق الإلكتروني والخدمات الائتمانية الإلكترونية"، كما حثت منظمة التجارة على ضمان أن تعترف نظمها القانونية بصلاحية العقود المبرمة بالوسائل الإلكترونية.
وتحقق التجارة الإلكترونية ازدهاراً متسارعا عاما بعد عام، خاصة في الولايات المتحدة، والصين، والاتحاد الأوروبي، إذ تُشير أرقام غير رسمية، إلى أن شركتين أمريكيتين فقط، هما "أبل إنكوربوريشين"، و"إي باي إنكوربوريشين" سجلتا مبيعات بقيمة 342 مليون دولار من مبيعات التجزئة الإلكترونية في 2015.
أما الصين فتعتبر حاليا أكبر سوق في العالم في مبيعات التجزئة الإلكترونية، إذ تعتبر شركات التجارة الإلكترونية الصينية مثل "جي دي دوت كوم"، و"تينسنت هولدنكس ليميتد"، و"على بابا جروب هولدنك ليميتد"، و"بايدو إنكوربوريشين" من بين أكبر شركات العالم في الإنترنت.
وكان، روبرتو أزيفيدو، قد كشف في ندوة عقدتها أونكتاد في جنيف في أواخر نيسان (أبريل) الماضي أن بين 2013 و2015، قفزت قيمة التجارة العالمية على شبكة الإنترنت من 16 تريليونا إلى 22 تريليون دولار، وأن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم تمكنت بفضل التجارة الإلكترونية أن تُقلِّل كثيراً من تكاليف القيام بالأعمال التجارية عبر الحدود. وأضاف أزيفيدو، أن التجارة الإلكترونية وفرت منصة تسمح للمنتجين، سواء من الشركات متعددة الجنسيات أو المؤسسات الصغيرة أو متوسطة الحجم، من الوصول إلى الأسواق العالمية، والوصول إلى شبكة أوسع من المشترين، وأن تُسهم في سلاسل القيمة العالمية. كما أتاحت التجارة الإلكترونية للمستهلكين، الوصول إلى تشكيلة أوسع من المنتجات، من طائفة أوسع من المُوردين، وأسعار أكثر تنافسية، وبهذه الطريقة، يمكن أن تُساعد التجارة الإلكترونية في تحسين سبل كسب العيش، وتشجيع مزيد من الشمولية في النظام التجاري، وتعزيز التنمية.
ووفقا لأونكتاد، فالتجارة الإلكترونية جمعت تراكماً من المبيعات الإجمالية يتجاوز 25 مليار دولار في عام 2015، أما أسواق المبيعات على الإنترنت الرئيسة، فهي: الولايات المتحدة التي حققت أكثر من 7000 مليار دولار (7 تريليونات دولار)، أمام اليابان (2500 مليار)، والصين (أقل قليلاً من 2000 مليار). وجاءت ألمانيا وفرنسا في المرتبتين 5 و7 على التوالي، أو أكثر من 1000 مليار دولار من المبيعات السنوية لألمانيا، و700 مليار دولار لفرنسا عام 2014.