قطر .. المختلفة مع نفسها وأهلها وأشقائها
قبل سبتمبر 1868 لم تكن هناك دولة على وجه الأرض باسم قطر، بل كانت الأرض التي عليها دولة قطر جزءا لا يتجزأ من دولة واحدة هي دولة البحرين.
والقصة أن آل خليفة كانوا يحكمون الأراضي البحرينية من أقصاها إلى أقصاها، لكن الجلاهمة من آل ثاني كانوا يقاتلون ويحاربون من أجل المشاركة في الحكم، وأمام كثرة الدماء التي كانت تسيل بين الأسرتين من آل خليفة وآل ثاني.. قررت بريطانيا التي كانت تستعمر المشيخات في الخليج عقد معاهدة بين آل خليفة وآل ثاني تعطي آل ثاني حق إقامة دولة مستقلة في الشمال باسم مشيخة قطر، ونصت المعاهدة على أن تدفع قطر للبحرين جزية بصفة حمائية لا سيادية، أي مقابل حمايتها من الاعتداءات الخارجية.
لكن وفقا للسياسة البريطانية القائمة على قاعدة "فرق تسد" ظلت الخلافات بين البحرين وقطر مستمرة ودائمة. وما زالت حتى الآن، وآخرها قيام الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في الأيام القليلة الماضية بمهاجمة البحرين والتهديد بسحب السفير القطري من البحرين، ودعم الموقف الإيراني العدواني المتربص بمملكة البحرين والمتربص بمنطقة الخليج والمنطقة العربية.
وفي خطوة متقدمة لتحديد الحدود بين البحرين وقطر، فقد نصت اتفاقية تحديد حدود دول الخليج العربي التي أبرمتها بريطانيا والإمبراطورية العثمانية في 29 يوليو 1913 على أن الإمبراطورية العثمانية تتنازل عن كل حقوقها في الأراضي القطرية، وتمنح شبه جزيرة قطر لحكم الشيخ جاسم بن ثاني وخلفائه، لكن بقية نصوص الاتفاقية يتخللها شيء كبير من الغموض واحتمالات التفسير لأكثر من معنى.
وحينما بدأ التنقيب عن البترول والغاز بدأ الخلاف على الحدود الدولية بين الدولتين البحرين وقطر يتصاعد، وترى البحرين أن الجزر الثلاث حوار وفشت الدبل وجرادة تدخل ضمن الحدود الدولية للبحرين، بينما ترى قطر أن هذه الجزر تقع في حدودها الإقليمية، لأنها تبعد عن حدودها بميل واحد، بينما تبعد عن حدود البحرين بنحو 18 ميلا. لكن البحرين من ناحيتها تقول إن الجزر الثلاث تقع تحت إدارة الحكومة البحرينية، ويحميها البوليس البحريني، وشعبها يحمل الجنسية البحرينية، ومدارسها ومستشفياتها ودواوينها تتبع الحكومة البحرينية.
وأمام مطالبة قطر بالجزر الثلاث كانت البحرين تطالب بحقوقها المشروعة في منطقة الزبارة، بحجة أنها أرض بحرينية بموجب اتفاقية تحديد الحدود بين دول الخليج التي وقعتها ــ كما أشرنا ــ بريطانيا والإمبراطورية العثمانية في 29 يوليو 1913م، ومعنى الحصول على منطقة الزبارة، يعني الحصول على نصف أراضي قطر بما في ذلك العاصمة الدوحة.
وحينما تأسس مجلس التعاون الخليجي في عام 1981 وجد أمامه هذه المشكلة الحدودية العاصفة، فوضع في نظام المجلس مادة تنص على أن تنشأ هيئة لتسوية المنازعات بين الدول الأعضاء، وبموجب هذه المادة تشكلت لجنة ثلاثية من المملكة العربية السعودية و البحرين وقطر للبت في الملف البحريني القطري، ولكن قطر كانت دائما تلمح بأن المملكة العربية السعودية تتواطأ مع البحرين على حساب قطر، علما بأن السعودية استطاعت أن تحصل على موافقة الدولتين لعرض قضيتهما على محكمة العدل الدولية في لاهاي، للحصول على حكم قضائي دولي ملزم للدولتين.
وأثناء نظر القضية حتى يوم الإعلان عن صدور الحكم كانت الأجواء في منطقة الخليج متوترة جدا، لكن المفاجأة أن حكم محكمة العدل الدولية كان حكما مقبولا لدى كافة الأطراف الخليجية، بما في ذلك قطر، إذ إن الحكم نص على أن كل الأراضي التي تقع تحت إدارة حكومة البحرين هي أراض بحرينية، وكل الأراضي التي تقع تحت إدارة الحكومة القطرية هي أراض قطرية وفقا لقاعدة zero-sum game .
وكانت الحكومات القطرية المتعاقبة طوال هذه الرحلة الطويلة الشاقة تتخبط وتصطدم مع نفسها ومع جيرانها وأشقائها، ففي الداخل جبلت الحكومات القطرية على حياكة المؤامرات ضد بعضها بعضا، فقد انقلب الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني في عام 1972 على ابن عمه الشيخ أحمد بن علي آل ثاني وتولى هو حكم الإمارة، وفي عام 1995 انقلب الابن حمد بن خليفة آل ثاني على والده ونفاه خارج قطر وتولى السلطة في الإمارة، وفي عام 2015 تنازل الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني عن الحكم لمصلحة ولده الشيخ تميم بن حمد آل ثاني خوفا من أن ينقلب عليه.
وبالنسبة إلى حكومة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وهي الحكومة التي تعيش بيننا الآن، فقد كانت تخضع لمزاج الشاب الذي فجأة وجد نفسه حاكما وناهيا وآمرا لدولة خالفت كل السياسات التقليدية في منطقة الخليج خاصة، وفي المنطقة العربية عامة، فراح يختلف مع كل أصدقائه وحلفائه المقربين ويرمي نفسه في حضن دولة تكيد لجميع الدول العربية وبالذات تحقد على كل دول الخليج بما في ذلك قطر، وتحيك المؤامرات ضد هذه الدول وتبث الفتن والإرهاب في صفوفها، ثم تنتشر كالأخطبوط في عدد من الدول العربية في سورية والعراق وفلسطين واليمن ولبنان، الأبجح من هذا وذاك فإن قطر رمت بثقلها في حضن إسرائيل، وحينما نتساءل ماذا قدمت إسرائيل لقطر، وماذا قدمت إيران لقطر؟ لم تقدم إسرائيل لقطر شيئا إلا فيلا على تل من تلال تل أبيب ليقضي الشيخ وقتا من أوقات الصيف، ونسى الشيخ حمد والشيخ تميم أن أبجديات السياسة لا تقوم إلا على المصالح، وحينما نسأل ما المصالح التي حصلت عليها قطر نظير هذه التنازلات الضخمة، لا نجد شيئا جنته قطر الخليجية والعربية والإسلامية. إن الحكومة في قطر في حاجة ماسة إلى كفاءات تحترف السياسة بمهنية عالية وتسعى إلى تحقيق مكاسب هائلة لوطن يقدم الكثير للأعداء، ويضحي بالأقرباء والأشقاء بكثير الكثير!