«بياعة الحلا»
رسالة جميلة تضج كلماتها بالامتنان والكفاح الجميل الذي يدعونا للتأمل في طريقة تعاطينا مع الحياة بظروفها الصعبة.
تقول صاحبة القصة التي طلبت مني نشرها: أنا فتاة في الـ 26 من عمري نشأت مع ستة إخوة بؤساء أنا أكبرهم. لم نذق طعم السعادة منذ أصبحنا ندرك ما يجري حولنا، كان والدي قاسيا إلى ذلك الحد الذي أصبح "العقال والعصا والخيزران" هي وسائل تفاهمه معنا، لقد زرع الخوف والدونية وتحطيم الذات في دواخلنا منذ نعومة أظفارنا. كنا نراه يضرب والدتي المسكينة يوميا في ظل تخلي أهلها عنها اتقاء لشره. صبرت أمي وتحملت من أجلنا وخافت أن تطلب الطلاق فينتزعنا من أحضانها. كنا نشعر أننا أقل من غيرنا في المدرسة وبين أطفال الجيران والأقارب، لا ملابس جميلة ولا هدايا ولا حلوى ولا إحساس بالأمان، باختصار كنا محرومين من كل شيء وأي شيء.
قبل عشر سنوات تطورت عصبيته وغضبه فأصبح مدمنا على المخدرات، فصلته الشركة التي يعمل فيها، ودخلنا في ضائقة مادية قاسية لدرجة أننا كنا نبيت أحيانا من دون عشاء، أصبح أبي يبيع كل شيء يقع في طريقه ليحصل على المخدرات، لم يترك لنا أثاثا ولا طعاما ولا قدرا من الكرامة، وهددنا صاحب المنزل بالطرد إن لم ندفع الإيجار. في تلك اللحظة التي أصبحنا فيها مع أمي بمواجهة لحظة مصيرنا وضياعنا تحولت أمي لشخص آخر تماما!
قررت طلب الطلاق من والدي وأخذ حق الحضانة لعدم أهليته، وفعلا حصلت عليهما وسجلت في الضمان الاجتماعي والجمعية الخيرية وبدأت تقود دفة السفينة محاولة النجاة بها رغم الأعاصير والصخور والتحديات. لحظات المحن والفشل والوجع صقلت شخصية والدتي وجعلتها أقوى. بدأت في صنع أنواع «الحلا» والفطائر وبيعها للجيران والمعارف وكان الإقبال عليها هائلا بفضل الله تعالى ثم بدأت في صنع "المفرزنات"، ثم في إعداد البوفيهات للحفلات والأعراس والاجتماعات وحققت شهرة كبيرة.
في الجامعة سألتني زميلتي باستهزاء "أنت أمك بياعة حلا؟!" قلت بفخر شديد: «نعم وأنا بنت بياعة الحلا»!
افتتحت مع والدتي محل حلويات وإعداد بوفيهات وأصبح له الآن ثلاثة فروع، وامتلكنا منزلا جميلا، وأشقائي لم يعودوا بؤساء بل صاروا فخورين بأنفسهم وبوالدتهم المكافحة. أتمنى أن تمنح قصة والدتي الإلهام لكثيرات ممن يعتقدن أن الحياة ستنتهي حين يتراكم حطام الفشل والألم والفقر فوق أحلامهن. الأمر ببساطة هو التمسك بالأمل وحسن الظن بالله!
وخزة:
يقول الدكتور إبراهيم الفقي "هناك أوقات نشعر فيها أنها النهاية ثم نكتشف أنها البداية".