«هيئة الزكاة» .. والشراكة مع المكلفين
تختص الهيئة العامة للزكاة والدخل بجباية الزكاة من المنشآت الخاصة السعودية والخليجية والضرائب من الشركات الأجنبية المقيمة في المملكة وكذلك الضرائب من الشركات السعودية والخليجية التي تعمل في المملكة وتقيم خارجها، وحسب المعلومات المتواترة فإن الهيئة لا تعاني في موضوع تحصيل الضرائب لوضوحها بالنسبة لموظفيها والمكلفين حيث إنها نسبة محددة من الأرباح، ولكن الهيئة ومكلفيها خصوصا الشركات الكبرى يعانون ضبابية الأوعية الزكوية وكثرة الفتاوى والتأويلات الخاصة بها ذلك أن الزكاة تؤخذ على رأس المال العامل وعوائده وهناك كثير من الفتاوى بشأن ذلك، وبالتالي فإن الوعاء الزكوي وما يترتب عليه من إقرارات من المكلفين وربوطات من هيئة الزكاة والدخل مثار جدل ونقاش ومشكلات وقضايا تأخذ مسارا إجرائيا طويلا وسنوات للوصول لأحكام نهائية.
كثير من المكلفين الذين يعانون ربوطات زكوية كبيرة تأكل أرباحهم وأكثر، إن وجدت، وتأكل من رؤوس أموالهم والسيولة المتوافرة لديهم في حال عدم تحقيقهم أرباحا أو تحقيقهم خسائر، وهؤلاء ينظرون لهيئة الزكاة لا كشريك وإنما كخصم متعسف يهمه تحقيق إيراداته وتحصيلها على حساب منشآت الأعمال حتى وإن خسرت وتضررت وأقفلت، أيضا كثير من المكلفين من المستثمرين في الشركات الصغيرة والمتوسطة الذين لا يمسكون الدفاتر المحاسبية ولا يعدون قوائم مالية لبساطة أعمالهم يرون أن هيئة الزكاة تتعسف في تقدير وتحصيل الزكاة على رؤوس أموالهم وأعمالهم دون النظر لتأثير ذلك في استثماراتهم. وللحقيقة فإن «الزكاة والدخل» عندما كانت "مصلحة" محدودة القدرات والإمكانات قد تكون أضرت بكثير من المكلفين وتعسفت بحقهم لأسباب عديدة بعضها يتعلق بضعف إمكانات الهيئة وقدرتها على الوصول للمعلومات بشأن المكلفين من خلال الفحص المكتبي أو الميداني وبالتالي فإن التقدير المتعسف وسيلة مثلى للحصول على الإيرادات وكشف التهرب المتوقع من المكلفين.
بعد تحول «الزكاة والدخل» من تنظيم "المصلحة" إلى تنظيم "الهيئة" وما سيترتب على ذلك من استقلالية وتمثيل أكبر لجميع القطاعات ذات الصلة بأعمال الهيئة، وما ترتب على ذلك من إمكانات مالية وبشرية وتقنية كبيرة ترفع من كفاءة أداء الهيئة وإنتاجيتها وقدرتها على الوصول للمعلومات وتفسير نصوص نظام الزكاة المتوقع إصداره في الشهور القادمة. أقول بعد كل ذلك ومن خلال ما صرح به المدير العام المكلف طارق السدحان في المؤتمر الذي نظمته الهيئة العامة للزكاة والدخل للتعريف بالتنظيم الجديد، وجدت فقرة لافتة للنظر وواعدة لتكوين علاقة تقوم على مكسب الطرفين وليس مكسب طرف على حساب الآخر.
نص الفقرة يقول "نعتقد في الهيئة أن المكلفين هم شركاؤنا ونحن شركاؤهم، ونموهم كما ونوعا ونمو أعمالهم وتوسع أنشطتهم وزيادة أرباحهم في مصلحتنا، وعلينا مساعدتهم على ذلك والإنصات إليهم والتجاوب مع مرئياتهم ومقترحاتهم ومراعاة ظروفهم، كما أن علينا أن نمكنهم من إنجاز معاملاتهم بسهولة ويسر من مكاتبهم بثقة وفاعلية فيما يتعلق بالتسجيل ورفع الإقرارات والسداد وطلب التقسيط والحصول على الموافقات وإصدار شهادات الزكاة".
ما تنص عليه هذه الفقرة يعبر عن فكر جديد مقرون بموقف جديد من المكلفين وبالتالي فإن السياسات والهيكلة والإجراءات والإمكانات ستحشد في إطار قيم ومفاهيم تعامل جديدة وفاعلة لخدمة المكلفين بتوفير خدمات عالية الجودة لمساعدتهم على الوفاء بواجباتهم، خصوصا أن التقنية الحديثة ستمكن الهيئة من تطويرها وتوظيفها لتسهيل عمليات التسجيل ورفع الإقرارات وتسديد الالتزام وطلبات التقسيط وإصدار الشهادات، كما ستمكِن التقنية الحديثة الهيئة من متابعة المكلفين من خلال الربط الإلكتروني مع الأجهزة الحكومية المعنية بمجرد إصدار أو تجديد سجلاتهم التجارية من وزارة التجارة أو البلديات، وبمجرد توقيع العقود، أو إدخال المستوردات للبلاد، أو إصدار إقامات العمالة، أو تسجيل الموظفين في التأمينات إلى غير ذلك ما يبين مستوى وحجم استثمارات المكلفين لإجراء الفحوص الإلكترونية والمكتبية والميدانية.
وما يؤكد الموقف الإيجابي للهيئة من المكلفين لبناء شراكة فاعلة في خدمتهم بالتزامن مع سد الفجوة الزكوية وتقليص الاعتراض على الربوطات وما يترتب عليها من إجراءات طويلة واحتقان متواصل، ما أعلنته الهيئة من نيتها تأهيل مواردها البشرية تأهيلا عاليا واستقطاب كوادر وخبرات من داخل المملكة وخارجها لتطوير العمل وتسهيل الإجراءات وتمتين العلاقة مع المكلفين، وكذلك ما اشتمل عليه التنظيم من إنشاء لجنة شرعية تحت مظلة الهيئة من ذوي التأهيل العالي والخبرة والكفاءة، بهدف التسريع في معالجة الاختلافات والمشاكل في احتساب الزكاة، لتكون حسب التنظيم الجديد المرجعية الشرعية النهائية للهيئة إضافة لدورها الوقائي في الحد من الاختلافات والمشاكل والقضايا بمراجعة نظام الزكاة الجديد لإصداره بشكل نهائي يراعي الواقع والتطورات في الاستثمارات والمعاملات التجارية والمالية المعاصرة، إضافة إلى النظر بالاستناد إلى الدراسات التي تجريها اللجنة الشرعية في الحالات الاستثمارية في بعض القطاعات التي قد تشكل أوعيتها الزكوية الحالية عائقا لنشاطاتها كالتطوير العقاري والتمويل العقاري والتمويل بشكل عام. أيضا، كما يبدو لي، أن من أهم مظاهر الشراكة تشكيلة مجلس إدارة الهيئة الذي يمثل القطاعات ذات الصلة بالزكاة والضرائب لتكون الهيئة بذلك أقرب للمكلفين، وليكون للقطاعات مشاركة في صناعة سياسات وقرارات الهيئة، ومن ذلك ممثل عن وزارة التجارة والاستثمار التي تمثل قطاع الأعمال بشركاته الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، وممثل عن مؤسسة النقد التي تمثل المصارف، شركات التأمين، شركات التمويل، وممثل عن هيئة السوق المالية التي تمثل الشركات المساهمة، الصناديق الاستثمارية، شركات الوساطة المالية، واثنين من المتخصصين وذوي الخبرة في مجال عمل الهيئة "محاسبين قانونيين، ماليين، متخصصين في الجانب الشرعي للزكاة... إلخ".
ختاما، ومن أجل شراكة فاعلة بين هيئة الزكاة والدخل والمكلفين تحقق ما نصبو إليه من نمو في الإيرادات الزكوية والضريبية وتنمية مستقرة للقطاع الخاص أتمنى أن تعقد ورش تواصل مستمرة بين الهيئة وممثلي القطاعات الاقتصادية لمزيد من التفاهم والتقارب والتعاون.