Author

تطبيق كود البناء ورخص مهنية لعمال التشييد

|

عادة ما يكون لكل منتج مدة صلاحية حتى المعمرة منها، ولكن من الغريب أن يشمل مصطلح الاستهلاك المباني بأنواعها كافة. فالمباني تشيد لتعمر، لا لكي تهدم بعد حين ليعاد تشييدها مرة أخرى. ولنا في مباني دول أوروبا وأمريكا عبرة، حيث تصل أعمار بعضها إلى 200 عام وتزيد. فمع بعض الترميم والصيانة والتجديد الشامل في بعض الحالات، تبقى المباني محافظة على متانتها لتؤدي وظيفتها، دون الحاجة إلى إعادة استثمار الموارد من طوب وأسمنت وحديد وطاقة بشرية مرة بعد مرة. كل ذلك بفضل التنظيم الدقيق والمتفاني لقطاع التشييد والبناء عبر تطبيق كود بناء موحد وتأهيل عمالة القطاع.
فوائد تطبيق كود البناء تتعدى جودة المباني وزيادة أعمارها إلى استهلاكها للموارد. فعلى سبيل المثال، يذهب نحو 70 في المائة من استهلاكنا للطاقة الكهربائية إلى بند التكييف الذي يحاول تلطيف أجواء مبانينا الملتهبة، رغم أن أكثر من 80 في المائة منها غير معزول بشكل جيد. الأمر الذي يهدر كثيرا من براميل النفط لمجرد التساهل في العزل، فيعم ضرر هذا الهدر على صاحب البيت والبلاد جميعها.
لقد أقر مجلس الوزراء في نهاية شهر يناير الماضي قانون تطبيق كود البناء السعودي، الصادر قبل نحو عشرة أعوام. أي أن الكود كان موجودا ولكن غير مفعل. أحد أهم أهداف الكود هو الترشيد في استهلاك الطاقة بأنواعها وخفض تكلفة التشغيل والصيانة للمباني، أي أن المباني التي تم بناؤها خلال العقد الماضي كانت تستهلك كميات أقل من الكهرباء والمياه. إلزامية التطبيق بحيث لا يتمكن المقاول من الانتقال من مرحلة إلى أخرى إلا بعد التدقيق والفحص وأخذ الموافقات اللازمة من جهات مختلفة ستؤثر سلبا في القطاع. ولكن هذا الأثر السلبي محدود مقارنة بالفوائد المتراكمة التي سيحصلها الوطن من توفير في موارده المحدودة.
وحتى تسهل عملية الالتزام بكود البناء فمن الضروري تأهيل العمالة وكذلك منع استيراد وتصنيع مواد البناء المخالفة. تأهيل العمالة، حيث لا تتمكن من العمل إلا بحصولها على شهادات ورخص مهنية لمزاولة العمل ما سيرفع من جودة أعمالها. إضافة إلى ذلك، سيسهل عملية متابعة أعمال كل عامل وتتبع الأخطاء لو حصلت في المستقبل، بحيث يتحمل كل عامل نتائج تقصيره. وكذلك من غير المنطقي أن تزكي اشتراطات كود البناء جودة محددة للصنابير أو الأسلاك أو غيرها من المواد ويسمح للتجار باستيراد مواد أقل جودة.
تفعيل قانون تطبيق كود البناء قد يكون فرصة لإيجاد مزيد من الوظائف لأبناء الوطن مع بداية عملية سعودة جزئية في القطاع. علميات المراقبة والتدريب والتدقيق في المباني يمكن إسنادها لطلبة المجالات الجامعية المعنية كجزء من تدريبهم العملي. وأخيرا أتمنى من اللجنة الوطنية لكود البناء السعودي أن تدرس وسائل إعادة تأهيل المباني القائمة لترشيد استهلاكها، ومقارنة تكاليف مثل هذه المبادرة على المستوى الوطني مقارنة بحجم الوفر في استهلاك الكهرباء والمياه في حال تطبيقها.

إنشرها