بيوت بلا أرواح

حين أرادت أن تفصل مطبخها اختارت له اللون الأبيض حتى يتماشى مع لون الرخام الأسود الذي ستضعه فوقه، لكن زوجها اعترض على اللون الأبيض لأن آثار الطبخ ورواسب الدهنيات والتنظيف ستظهر عليه. أوضحت له أنها لن تطبخ فيه إطلاقا بل ستجعله مجرد ديكور لأنه مفتوح على الصالة ، ويجب أن يكون نظيفا حين يزورهم ضيوف. أما الطبخ فسيكون في المخزن المترين في مترين البعيد عن نظر الضيوف!
هذا الهوس غير الطبيعي بالمظاهر و"تزويق" البيوت وكأنها دور عرض لأفخم أنواع الأثاث والديكورات والثريات واللوحات، سلب كثيرا من الدفء والحميمية والإحساس بروح البيوت. ما فائدة مطابخ تفصل بعشرات الألوف وهي ستبقى ديكورا جامدا لم تتصاعد أبخرة القدور بين جنباته ولم تعبق رائحة القهوة بالهيل بين زواياه ولم يمتلئ حوضه بالأواني التي تنتظر الغسيل؟!
ـــ أصبح البعض يبالغ في اختيار الأثاث الفخم فأصبح "أكبر همه" أن يحوز إعجاب الناس حين يرونه بغض النظر عن  مدى مناسبته للعائلة، ولذلك لم يعد غريبا أن "تنحشر" الأسرة في غرفة معينة في المنزل وتترك باقي غرف البيت وصالاته مظلمة باردة، حتى تظل محافظة على فخامتها من أجل الضيوف، هذا الهوس دفع كثيرين نحو منحى آخر وهو الاجتماع بالأقارب والمعارف والأصدقاء في الاستراحات والشاليهات خوفا من طفل شقي يكسر "أباجورة" أو آخر يحطم تحفة أو ثالث يعبث بورد الحديقة. وشيئا فشيئا بدأت أرواح البيوت تحتضر!
ـــ دع أطفالك "يشخبطون" على جدران البيت كما فعلت أنت يوما ما، لا تخف من بقايا آثار ألوانهم ، بل خف من نظافة جدران لم تعبث بها أيادي صغار وضع ألف علامة استفهام في عقلك!
ـــ اقتحم صمت دواليب مطبخك واطلب من زوجتك أن تطبخ و"تنفخ" وتقلي وتشوي وتغسل في المطبخ الأنيق، ومن أراد أن يتفرج على مطبخ يلمع من النظافة فليذهب للمعارض هناك!
ــــ لا تغلق أبواب غرف منزلك، افتحها، دعها تتنفس، اجلس فيها مع زوجتك وأبنائك، لا تخبئ جمالا تستحق أن تتأمله مع أسرتك، اقتسم ذكريات شراء الأثاث، التحف، واللوحات مع أسرتك، متى وأين وكيف اشتريتموها؟! دعهم يشعروا أن هذا المنزل لهم، وروحه تمتزج بأرواحهم!
ـــ الفواحات العطرية، والشموع الحالمة، والفخامة لا تبعث روحا في منزل لا يقتسم الروح مع ساكنيه!

وخزة

يقول كارنيجي "السعادة لا تعتمد على ما أنت أو ما تمتلك، السعادة تعتمد على ما تظنه أنت".

 

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي