التاريخ

ماذا نستفيد من دراسة التاريخ؟
وصلني هذا السؤال من شخص متعلم تعليما عاليا، لكنه يتساءل بصدق عن فائدة معرفة الفتوحات والغزوات وغيرها من التفاصيل التي تعج بها مناهج التاريخ في المراحل الدراسية السعودية.
الإجابة السريعة لهذا السؤال هي: معرفة أسباب الظروف المحيطة بواقعنا اليوم ولماذا نحن فيما نحن فيه اليوم. ومن لم يقرأ الماضي لن يستشرف المستقبل.
تجارب البشر على مدى العصور بدأ تدوينها في العالم القديم (نحو القرن الرابع قبل الميلاد) في الوقت نفسه الذي تم فيه اختراع الكتابة.
وتنحصر معرفتنا بالتاريخ البشري في حدود ما هو متوافر من مدونات محفوظة ووفقا للحقبة التاريخية المدروسة أو المنطقة المستهدفة.
لكننا، نعود إلى السؤال: لماذا ندرس التاريخ في مراحل التعليم المدرسية؟
توسيع مدارك الطالب عملية تراكمية تبدأ منذ سن مبكرة ودراسة التاريخ في المراحل التعليمية يفترض تقسيمه لأجزاء زمنية تناسب المرحلة والبعد العمري للطالب. وكلما تنوعت المواضيع المطروحة في المنهج استمتع الطالب ورغب في القراءة عنها خارج حدود الدراسة. وبعد وصول الطالب للمرحلة الجامعية يفترض أن يكون لديه إلمام ولو قليلا عن تاريخ العالم والحضارات البشرية والأديان إضافة إلى تاريخ العصر الحديث بشيء من التفصيل والتعمق في المجتمع والاقتصاد.
بالنسبة للمهارات المتوقع اكتسابها من دراسة التاريخ في المرحلة الجامعية فوفقا لكلية London School of Economics تشمل:
- التواصل (الشفهي والكتابي).
- التحصيل اللغوي (نحويا وتعبيريا).
- القدرة على التحليل.
- المهارة الرقمية (حفظ التواريخ والأرقام).
- معرفة طرق البحث والتعلم وتحسين الأداء التعليمي والعمل مع الآخرين.
وتذكر الكلية العريقة أن خريجي أقسام التاريخ بصفة عامة يتصفون بالمرونة والقدرة على التفكر وربط الأحداث والوقائع ومهارة عالية في التحليل ووضع حلول للمشكلات.
إذن دراسة التاريخ قد لا تؤدي بالضرورة إلى الحصول على وظيفة في هذا المجال (عدا عن تدريس المادة والأبحاث المتعلقة بها) لكن ما يهم هو مجموعة المهارات السابق ذكرها.
فهل يتصف خريجو أقسام التاريخ بكل (أو بعض) هذه الصفات؟
نأتي للجانب الثقافي والمعرفي الشامل. هل نرى أن خريج التاريخ يتحدث في مختلف المواضيع بشيء من المعرفة والاطلاع؟
هل نسمع منه مفردات لغوية وتاريخية وعلمية، أم مجرد تناقل لحكايات الأجداد؟
هل يستشهد في حديثه بحوادث تاريخية مثبتة لتقديم وجهة نظره؟
لا أملك إحصاءات (كما يحلو لمبدعي "تويتر" أن يطالبوا) لإثبات أو تصويب رأيي لكني لم أصادف أي خريج أو خريجة قسم تاريخ يجمع بين هذه الصفات. ومن خلال دراستي للتاريخ في المناهج السعودية فأنا بالكاد أتذكر موضوعا واحدا أثار اهتمامي وعلق بذاكرتي حتى اليوم، فكانت حصة التاريخ هي حصة "الترديد" التي ننتظر انتهاءها بفارغ الصبر.
أيضا هي الحصة التي ترتبط تلقائيا بالتواريخ الرقمية التي لا يتم ربطها بتسلسل عددي منطقي لتفسير تتابع الأحداث عبر العصور. مع الأسف أصبحت مادة التاريخ في المناهج السعودية عبئا على الطالب والمعلم معا، ولا تتم الاستفادة منها بشكل ذكي، ولا تسهم سوى في ازدحام جدول الطالب وحقيبته المدرسية.
أرجو من القائمين على المناهج مراجعة محتوى هذه المادة العظيمة، وأرجو من الإعلام الرسمي والرقمي أن يدرج البعد التاريخي لما يقدمه من محتوى. أرجو من الصحافة ألا تنشر تواريخا إلا بعد التحقق من الرقم والمعلومة. أرجو من كل أب وأم أن يجلسوا مع أبنائهم ويروون لهم قصصا من التاريخ (القديم أو الحديث) تلهمهم وتشجعهم على التأمل والتفكر والتساؤل.
والله الموفق،،

المزيد من مقالات الرأي