التكلفة البشرية للتكنولوجيا «2 من 2»
وجدنا ضمن السمات الشخصية المتأثرة بضغوط التكنولوجيا، أن الأشخاص الأكثر انفتاحا هم أكثر عرضة للمعاناة من ضغوطات التكنولوجيا. ومن الملاحظ بشدة ارتباط مستوى المغامرة مع مستوى عال من ضغوط التكنولوجيا. وفي الوقت نفسه فإن الأشخاص الواثقين بأنفسهم أقل عرضة للمعاناة من حالة عدم الأمان التي تسببها التكنولوجيا (الإجهاد الناجم عن المخاوف بفقدان العمل لمصلحة آخرين يتمتعون بمهارات تقنية عالية). والأشخاص الذين يصطنعون الانضباط أقل عرضة للغزو التكنولوجي. ومن جهة أخرى، يزيد الشعور بعدم الأمان الذي تسببه التكنولوجيا عند الأشخاص المنضبطين، ما يدل على أن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات قد يكون لها تأثير سلبي على الحياة المهنية الشديدة التنظيم للأشخاص المتطلبين.
وأخيرا، كان من المفاجئ أن نلاحظ أن الفترة التي يكون فيها الأشخاص متاحين من خلال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (وهو الوقت الذي يكونون فيه متصلين بالشبكة ويستطيعون استقبال والرد على البريد الإلكتروني، والاتصالات، أو رؤية آخر تحديثات زملائهم على منصات التواصل) وقدرتهم على التعامل معها (نزولا عند رغبتهم وليس كأمر مفروض عليهم)، قد يكون لها آثار عكسية على الغزو التكنولوجي. لقد وجدنا أن المشاركين في الدراسة الذين جعلوا من أنفسهم متاحين باستمرار من خلال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كانوا أكثر عرضة للتأثر "الغزو التكنولوجي". من ناحية أخرى، فإن الأشخاص الذين استخدموا تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بانتظام، بناء على رغبتهم تأثروا سلبا بشكل أقل بالغزو التكنولوجي. ربما يعود ذلك إلى مشاعرهم الأكثر إيجابية حيال استخدام التكنولوجيا وقدرتهم على السيطرة على كيف ومتى تستخدم. فلماذا يمتلك بعض الأشخاص القدرة على السيطرة على طريقة استخدامهم لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، في حين يقع البعض الآخر في "فخ أن يكون متاحا بشكل دائم"؟ وعند النظر إلى سمات الشخصية، يبدو أن الأشخاص الذين يدعون الانفتاح أو الانضباط، هم الأفضل في استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من الناحية الاستراتيجية. فالأشخاص الذين يمتلكون هذه السمات الشخصية، يمتلكون المهارة لإدارة فترات التواصل، وبالتالي يقل شعورهم بالغزو التكنولوجي.
مطابقة السمات الشخصية مع استراتيجيات الاتصال
تعتبر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات جزءا من الحياة المهنية الحديثة بغض النظر عن كونها تسبب الإجهاد، فهي تساعد على التحولات التنظيمية الإيجابية، وتعطي قدرا أكبر من المرونة، وفرص التواصل، وتسهم في إشراك أكبر عدد من الأشخاص. حيث تشير النتائج التي توصلنا إليها، إلى أن الأخذ بعين الاعتبار الاختلافات في شخصية الأفراد عند توزيع المسؤوليات ووضع الخطوات الرئيسة لاستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، يؤدي ذلك بدوره إلى تخفيف الضغوط التي قد تسببها.
على سبيل المثال، تعمل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لمصلحة الأشخاص الانطوائيين في الفريق، كونهم يميلون إلى اختبار مستويات أدنى من الغزو التكنولوجي. أما بالنسبة للأشخاص المنفتحين، فإن أسلوب التواصل المباشر يساعدهم على التخفيف من مخاوفهم بأن يتم تجاهلهم في حال لم يكونوا متصلين بشكل دائم. ونتيجة لذلك، يؤدي ذلك إلى تخفيف الضغوط التي قد تواجههم بسبب التكنولوجيا. من جهة أخرى، يظهر الأشخاص الحذرون مستويات عالية من حالة الشعور بانعدام الأمان. ولهذا السبب، ينبغي ألا يسند إليهم أدوار تعتمد على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بشكل كبير، أو يجب أن يتم توجيههم خلال الفترة الانتقالية، ما يكسبهم ثقة بأنفسهم، ويساعدهم في التعامل مع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
لاحظنا أيضا وجود صلات أخرى مثيرة للاهتمام بين أبعاد الضغوط التكنولوجية وسمات الشخصية. على سبيل المثال، يظهر الأشخاص الذين يتشاركون تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بشكل متكرر، مستوى أعلى من الثقة بالنفس. الأفراد الذين يدعون ثقتهم بالآخرين، يتشاركون استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بشكل كبير. من ناحية أخرى، ينظر للأشخاص المتاحين بشكل دائم على وسائل التواصل الاجتماعي، على أنهم يعانون الكآبة. يثير هذا الاستنتاج مزيدا من الأسئلة حول ما إذا كان بعض الناس يتصلون من خلال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لبناء احترام الذات أو للشعور بشكل أفضل حيال أنفسهم.
الأهم من ذلك، تشير دراستنا إلى أنه بدلا من الافتراض بأنه يجب على الأشخاص أن يكونوا متاحين على مدار اليوم، أو أن يكونوا صارمين بخصوص ذلك، يجب على القادة مساعدتهم على فهم اختياراتهم الفردية، والسماح لهم بالتعامل معها بمرونة، وتأمين التدريب اللازم لهم للتكيف مع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتعامل معها بطريقة مثلى. بهذه الطريقة سيتعامل الأشخاص مع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كأداة مفيدة توفر خيارات وفرصا عدة، وليس كمصدر إضافي للتوتر والقلق.