Author

«الشعبوية» وإصلاح الرأسمالية

|

يسيطر على المنتدى الاقتصادي العالمي السنوي هذا العام، الخوف من التحولات الاجتماعية والسياسية التي حدثت وتحدث على الساحة العالمية، وعلى وجه الخصوص تسارع وتيرة انتشار "الشعبوبية" حتى في البلدان التي كانت توصف عادة بالمعتدلة من حيث رؤيتها للعلاقات مع الدول والكيانات الأخرى. وأسهم وصول دونالد ترمب إلى السلطة في الولايات المتحدة في زيادة هذه المخاوف، خصوصاً أن هذا التحول على الساحة الأمريكية جاء بعد وقت قصير من نتائج الاستفتاء البريطاني الصادم، دافعا المملكة المتحدة للخروج من الاتحاد الأوروبي على مبدأ ما يمكن تسميته بـ "الاستقلال الانعزالي". مع الإشارة بالطبع إلى المكاسب السياسية التي حققتها التيارات اليمينية المتطرفة وغير المتطرفة في الانتخابات المحلية هنا وهنا، ولا سيما على الساحة الأوروبية.
هذه القضية المتصاعدة الحدة، تلقي بظلالها على أعمال منتدى دافوس، في حين يعترف حتى أكبر المختصين تجربة، أنه لا يمكن التنبؤ بشكل الاقتصاد العالمي، بينما ليست هناك خطوات واضحة على الساحة الأمريكية في الوقت الراهن. وإذا ما نفذ ترمب ما وعد به قبل الانتخابات الرئاسية، فإن ذلك سيفتح معارك جديدة إلى جانب جبهات هنا وهناك. فالحمائية التي وضعها الرئيس الأمريكي المنتخب لا تخدم العولمة بأي شكل من الأشكال، بل تؤثر سلبا حتى في العلاقات مع الدول الحليفة، في حين بات الأمر ملحا لطرح العولمة نفسها للإصلاح الواضح والمباشر، بعيدا عن تلك المسميات "اللطيفة".  وهذه الأخيرة (أي العولمة) يحملها البعض مسؤولية ما يحدث ليس فقط على ساحة الاقتصادات الناشئة، بل أيضا على صعيد الدول المتقدمة نفسها.
منتدى دافوس أمام موضوع كبير واسع ومسبب للخلافات السياسية خصوصا في عالم شهد على مدى ثماني سنوات فوضى في صنع القرار الاقتصادي العالمي، بينما لا يزال العالم يعاني ما تبقى من آثار الأزمة الاقتصادية العالمية، الذي شكل الجشع فيها المسبب الرئيس لانفجارها. ولا يبدو بأي حال من الأحوال، أن الأمور ستجري على الساحة الدولية بصورة سلسة، مع المواقف الحادة للإدارة الأمريكية المقبلة. صحيح أن ذهنية إدارة ترمب اقتصادية، ولكن الصحيح أيضا، أن رئيسها يتحرك على أساس محلي خالص بعيدا عن الصيغ الدولية المتفق عليها، التي شكلت نوعا من الأمان الاقتصادي لكل أطرافها، بل لنقل إنها حققت شيئا من الاستقرار الاقتصادي.
كان مؤسس المنتدى العالمي الشهير كلاوس شواب واضحا، عندما أكد ضرورة التركيز على مناقشة "إصلاح الرأسمالية" نفسها. فالأخطاء التي ارتكبت في العقود الماضية لا تزال موجودة، رغم أنها تراجعت في فترة ما بسبب التوافق الدولي. الرأسمالية في النهاية تحتاج إلى إصلاح كبير، كما هو الأمر مع الأشكال الاقتصادية الأخرى. ومع التحولات السياسية الاقتصادية الاجتماعية الأخيرة، هناك كثير من النقاط المحورية لا يمكن تجاهلها أو تأجيلها، لأن الآثار السلبية لها لن تقف عن حدود هذا العالم، بل تمضي قدما نحو عقود مقبلة. لا شك في أن منتدى دافوس يمكن أن يوفر معايير استرشادية عالية الأهمية والجودة، لكنه يبقى في النهاية تجمعا عالي المستوى والمهنية في عالم متجه بسرعة نحو الشعبوية الخطيرة، بينما لا تزال الرأسمالية وفق معاييرها السابقة بعيدة عن التحديث، في حين أن الساحة الدولية تعيش حالة من الترقب والانتظار، ليس فقط لرؤية سياسات ترمب وإدارته الجديدة تطبق على الأرض، بل أيضا كيفية تعاطي الحلفاء قبل الأعداء معها.

 

إنشرها