نظرة حول مجالس الإدارات في القطاع العام «5»
تناولنا في سلسلة المقالات السابقة تقديم النظريات والممارسات المطبقة في ظل مفاهيم وممارسات حوكمة الشركات فيما يخص مجلس الإدارة وعلاقته بالحوكمة ابتداء بتشكيل المجلس، وانتخاب أعضائه، وفصل السلطات والصلاحيات بين رئيس المجلس وأعضائه وبين الرئيس التنفيذي، ودور سكرتير مجلس الإدارة، وعضوية التنفيذيين وغير التنفيذيين، واللجان المتفرعة من المجلس، بعد بيان أهم مسؤوليات المجلس والفصل بين المهام الاستراتيجية والتخطيطية والرقابية وبين المهام التنفيذية اللازمة لسير العمل. الهدف من ذلك نقل بعض المفاهيم التي يمكن تطبيقها في حوكمة القطاع العام، والإسهام بشكل مباشر في تطوير أداة من أهم أدوات الحوكمة وهي "مجلس الإدارة" وأعضاؤه. وقد قمت بمراجعة عدد من مجالس الهيئات والمؤسسات العامة وشبه الرسمية في المملكة للتعرف على تطبيقات الحوكمة فيما يخص مجلس الإدارة، وسأنقل جزءا من المطالعات هنا، وإذا سمحت الفرصة مستقبلا سيتم تناول بعضها بشيء من التفصيل بغرض تحسين مستوى الحوكمة في القطاع العام، والمساهمة في غرس ثقافة نوعية حول أهمية تطبيقات الحوكمة في القطاع العام.
شملت الدراسة المبدئية (44) مؤسسة وهيئة رسمية أو شبه رسمية في المملكة. جميعها تملك مجالس للإدارة، وتراوح أعداد الأعضاء في تلك المجالس بين خمسة و30 عضوا، تختلف آليات التعيين أو الترشيح بين مجلس إدارة وآخر. الملاحظ هنا أن الاختلاف في العدد ليس له ما يبرره، حيث إن عددا من الهيئات ذات ارتباط مباشر بمصالح واحتياجات السكن، ويكون لها مجلس إدارة مُركز "محدود" وأخريات لا تتعامل مباشرة مع المواطنين ولها مجالس إدارات متوسعة في العدد. ومن أهم الملاحظات هنا أن هيئة السوق المالية، ومؤسسة النقد العربي السعودي تمتلكان خمسة أعضاء لكل واحدة منها، كأصغر مجلسي إدارة ضمن العينة. وفيهما لا يوجد فصل بين منصبي رئيس المجلس وبين الرئيس التنفيذي للجهة.
من الملاحظ أيضا في بعض الجهات أن رئيس المجلس يكون الوزير المباشر، وهنا أجد تعارضا كبيرا بين منصب وزير ورئيس مجلس إدارة للهيئة أو المؤسسة تحت صلاحيات ونطاق الوزارة مباشرة. وهنا تنشأ ملاحظة مهمة ذات علاقة بموضوع تضارب المصالح فيها يتعارض دور الوزير الرقابي والتشريعي مع دور رئيس مجلس الإدارة التخطيطي والإشرافي على الإدارة التنفيذية المباشرة. وهذا قد يكون مبررا لكثير من الازدواجية والتداخل بين دور المجالس ودور الوزارات الإشرافي أو التشريعي.
بعض المجالس يكون في عضويتها أعضاء مستقلون من خارج القطاع، لكن النص على اختيارهم من قطاع واحد يشكل مشكلة كبيرة في عدم التمثيل العادل لجميع أصحاب المصالح في المجلس. علما بأن مراعاة وحماية حقوق أصحاب المصالح تعدان من المبادئ الأساسية التي قامت عليها الحوكمة، وأشارت إليها المبادئ الخاصة بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD.
من الملاحظ غياب الإفصاح عن اللجان المترفعة من المجالس واعتماد اللجان الرقابية أو المستقلة في عمل المجالس، وهذا يعطي انطباعا بضعف وسائل الرقابة على العمل، إضافة إلى ضعف الإفصاح السنوي أو الدوري عن قرارات المجالس وآليات اتخاذ القرار فيها. وقد يكون المبرر هنا أن هذه الجهات جهات حكومية، وترفع تقاريرها إلى القيادة، ولكن مع التوجهات التي تنتهجها الحكومة الرشيدة في تطبيق الحوكمة الفعالة في القطاع العام، يجب أن تزيد هذه الجهات من شفافيتها وإفصاحها بما يتناسب واحتياجات المستفيدين. وهذا سيمكن الأجهزة الرقابية أيضا من ممارسة عملها ومتابعة الإنجاز بعين ثالثة ومستقلة.
يخطئ من يعتقد أن الحوكمة نوع من الرفاهية التي يجب ألا تطبق في القطاع العام، بل هي أداة من أدوات بناء الثقة بين القطاع العام والقيادة السياسية والمستفيدين يجب أن تُدعم وتوجه إلى خدمة المصلحة العامة.