التعداد العام للسكان والمساكن 2020

أعطى مجلس الوزراء الموقر الأسبوع قبل الماضي الضوء الأخضر للهيئة العامة للإحصاء للشروع في تنفيذ مشروع التعداد العام للسكان والمساكن 2020.
ووفقا للتصريحات الرسمية الصادرة عن مسؤولين في هيئة الإحصاء، فإن الإحصاء سيكون - لأول مرة - تعدادا تلعب في تنفيذه  تكنولوجيا المعلومات دورا كبيرا، بمعنى أن المعلومات سواء عن السكان أو المساكن ستتدفق من خلال أرقام السجل المدني وأرقام الإقامات، وكذلك من خلال قواعد المعلومات في مركز المعلومات الوطني ووزارات الخدمة المدنية والإسكان ووزارة التجارة ووزارة العدل والبريد السعودي.
ولذلك نستطيع أن نقول إن هذا التعداد يتميز عن التعدادات السابقة بأنه سيعتمد على المعلومات الدقيقة التي وفرتها وسائل التقنية الحديثة التي تم استكمالها في قطاعات شاسعة من القطاعين العام والخاص.
وننتظر جميعا أن تكون نتائج تعداد 2020 أكثر واقعية وتعتمد على كثير من المعلومات الدقيقة القريبة من الواقع بعيدا عن لجج التخمينات والمعايير النظرية الاجتهادية.
والواقع أن المرحلة التي نعيشها في ظل "رؤية المملكة 2030" تتطلب كثيرا من الشفافية والموضوعية، وتحتاج إلى حشد من المعلومات الدقيقة حتى تقوم المشاريع والبرامج على قاعدة من البيانات تمكننا من الوصول إلى الأهداف وتحقيق النتائج المتوخاة.
ونؤكد دائما أن الإحصاء العام هو العمود الفقري للاستراتيجيات والخطط التي تضعها الدولة لتحقيق أعلى معدلات التنمية، بمعنى أن "رؤية المملكة 2030" لا تستطيع أن تحقق أهدافها إلا بالوصول إلى إحصاءات شفافة وصادقة ودقيقة.
كذلك نؤكد أن التعداد العام للسكان هو البوابة التي تدخل الحكومة من خلالها إلى غرفة تشريح المجتمع لوضع الخطط اللازمة لحل مشكلات المجتمع، ودون الدخول من بوابة التعداد فإن مشكلات المجتمع السعودي لن تجد حلا، بمعنى أن التعداد العام للسكان هو مفتاح تصميم الخطط المستدامة في أي مجتمع من المجتمعات. ونذكر جميعا أننا أجرينا إحصاء للسكان عام 1974 ولم تكن المملكة تزخر بهذا الكم الهائل من الطوفان البشرى القادم من كل أنحاء شبه القارة الهندية والفلبين وإندونيسيا ومن اليمن الشقيق ومختلف الدول العربية الشقيقة، وكان إجمالي عدد السكان يبلغ في ذلك التاريخ 7,009,466 نسمة منهم 6,218,361 نسمة سعوديون، وكان عدد العمالة الوافدة ومعظمهم من الأشقاء في اليمن ومصر يصل إلى 791,105 نسمات، بمعنى أن غير السعوديين أقل من مليون واحد.
وهكذا كانت الاحتياجات التي يعانيها المجتمع بحجم هذا العدد البسيط من السعوديين وبحجم هذا العدد البسيط من غير السعوديين.
وحينما عادت الجهات المختصة وأجرت عام 1992 (بعد 18 عاما) التعداد العام للسكان للمرة الثانية أظهر التعداد أن إجمالي عدد السكان قفز إلى أكثر من الضعف وبلغ 16,948,388 نسمة، وكان السعوديون 12,310,053 نسمة، وعدد الأجانب 4,638,335 نسمة، وعند ذاك التاريخ بدأ الطوفان البشري من الخارج يغزو المجتمع السعودي ويبتلع مزايا تنفيذ مشاريع وبرامج التنمية، ويدخلنا في أتون قصور شامل في الخدمات، ومع قصور الخدمات جاء الطوفان البشرى الأجنبي بثقافات مختلفة اختلطت مع ثقافات المجتمع السعودي المحافظ، ويجب أن نسلم بأن اختلاط الثقافات أثر في جيل كامل من المجتمع السعودي.
أما التعداد الثالث للسكان فقد أجري عام 2004 (بعد 12 عاما) وبلغ إجمالي عدد السكان 22,678,262 نسمة، منهم 16,527,340 نسمة سعوديون و6,150,922 نسمة من غير السعوديين.
ورغم أن الملايين الستة من الأجانب تشكل تحديا صارخا لمجتمع محافظ، إلاّ أن هؤلاء الملايين الستة يخفون خلفهم ستة ملايين آخرين من المخالفين لنظام الإقامة تمكنوا من التسلل إلى أمهات المدن وأنشأوا فيها محميات عشوائية يتحصنون فيها ويغيرون على كل من تسول له نفسه أن يقتحم أكواخهم وعششهم ومحمياتهم.
ومع أن الاعتمادات المالية لبرامج التنمية قد تضاعفت إلا أن الكتل البشرية الزاخرة المتسللة عبر حدود المملكة أربكت برامج التنمية وأبرزت قصورا ملحوظا في الكميات المتاحة من المياه والكهرباء والمساكن والمستشفيات والمدارس، وارتباكا في المرور والمواصلات وغير ذلك من الخدمات.
والغريب العجيب أن معدلات الزيادة في عدد السعوديين رافقتها زيادة مضاعفة لعدد الأجانب القادمين للعمل في المملكة، أي أن الزيادة في معدلات السكان من السعوديين لم تحد من الزيادة في الطلب على القوى العاملة من الأجانب.
وإذا كان هذا مبررا مع بداية عصر التنمية، فإن المأمول أن مشاريع وبرامج "رؤية المملكة 2030" ستنظم العلاقة بين زيادة معدلات السكان مع زيادة عدد الوافدين، بمعنى أننا نتطلع إلى أن تؤدي الزيادة في معدلات السعوديين إلى انخفاض الطلب على العمالة الأجنبية من الخارج، ولهذا كنت وما زلت مؤيدا ومشجعا على زيادة معدلات عدد السكان، وطبعا الدعوة إلى زيادة عدد السكان تخالف تماما الآراء المطروحة بقوة التي تطالب بإنقاص معدلات الزيادة في عدد السكان التي يقال إنها باتت ترعب وتربك المهتمين برفع مستوى معيشة الإنسان السعودي.
وشخصيا أرى أن هذا القصور في الخدمات وهذه المشكلات التي يعانيها المجتمع السعودي هي نتيجة وليست سببا للزيادة في عدد السكان، لأن المشكلات التي نعانيها إنما هي إفراز طبيعي للنقص في عدد السكان، وبالذات هي إفراز طبيعي لنقص المهارات ونقص الكفاءات وبالتالي انخفاض الإنتاجية - للأسف - لدى السعوديين.
على كل حال، إن التعداد العام للسكان والمساكن 2020 سيكون نقطة انطلاق مهمة للمشاريع الكبرى التي تسعى إلى تحقيقها "رؤية المملكة 2030".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي