Author

محطات من تاريخ ملك عرف بالشجاعة والإقدام .. سلمان المُهاب

|
إذا كانت محطات حياة الإنسان سواء الشخصية أو المهنية، لا تتخطى اهتمام الشخص إلى غيره وتقف عند حدود الذات، فإن حياة الملوك والزعماء تتعدى شخوصهم لتكون محط أنظار العالم جميعا، ولا سيما الذين تدل عليهم آثارهم أينما حلوا أو ارتحلوا، وينتظر الجميع منهم كلمة بتصريح أو تلميح، نظرا لما لهذه الكلمة من تأثير على جميع الأصعدة .. ومن هؤلاء الزعماء الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي اشتهر بالشهامة والإقدام وعرف بالكرم والشجاعة، وقوة الشخصية والمهابة. تسمية صحيفة الرياض يشير الشيخ حمد الجاسر في مجلة العرب (ج 9 و10، س 17، الربيعان 1403هـ - يناير/ فبراير 1983م) و(ج 3 و4، س 25، رمضان / شوال 1410هـ - نيسان / أبريل / مايو 1990م) إلى أنه في عام 1376هـ كان يسعى لإصدار صحيفة «اليمامة» يومية ولكن الأمير / الملك سلمان بن عبدالعزيز أمير الرياض آنذاك حبذ له فكرة إصدارها باسم (الرياض) فتقدم وفق مشورته بكتاب بهذا المضمون موجه إلى الملك سعود وما لبث حتى استدعاه الأمير / الملك سلمان وبشره بصدور الموافقة الملكية على ذلك الطلب وقدم له تصريحا برقم 7678 /2 وتاريخ الأول من ذي الحجة 1376هـ يحوي مضمون الأمر الملكي رقم 22658 في 17 /11 /1376 هـ بالموافقة على طلبه بإصدار صحيفة باسم الرياض بعد أن وقع تعهدا مكتوبا بأن تقوم الجريدة بواجبها في خدمة الحكومة والبلاد بكل نزاهة وإخلاص. #2# وتكاد تكون جريدة “الرياض” هي الوحيدة بين صحف المملكة العربية السعودية التي تشرف بوجود تصريح بصدورها موقع من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان عندما كان أميرا للرياض، رغم أن صدورها تأخر إلى عام 1385هـ إلا أن ذلك يشير إلى وعي خادم الحرمين المبكر بأهمية الصحافة ودورها حيث استمر اهتمامه بالصحافة ودعمها منذ ذلك الحين إلى اليوم. أما لو كان سلمان بن عبدالعزيز صحافيا فإن أهدافه التي سيسخّر قلمه للدعوة إليها كما نشرت ذلك جريدة “الرياض” في حوارها معه بعد صدور عددها الأول فهي: 1- الدعوة للإيمان بالله والعمل بكتاب الله وسنة رسوله 2- الدعوة لخدمة بلاده ورفع شأنها والتفاني في ذلك فعلا لا قولا 3-دعوة رجال بلاده ونسائها للعمل بالتقاليد العربية الإسلامية مع تطويرها بما يلائم العصر والابتعاد عن الانغماس في حياة الترف والميوعة. والحقيقة أن علاقة الملك سلمان بالصحافة والإعلام كانت وما زالت علاقة وثيقة متصلة في الداخل والخارج وسبق أن صرح (حفل جريدة الرياض 2010م) بأنه يقرأ في الأغلب كل المقالات الصحافية التي لها صلة بعمله أو بالشأن العام فإذا وجد نقدا هادفا شكر صاحبه لأنه إنما قال الحقيقة، وإن قرأ ما هو بعيد عن الحقيقة وجدها فرصة ليصحح له معلوماته ويفيده بالحقيقة التي يجهلها، ولأن ذلك أصبح نهجا ثقافيا معروفا للملك سلمان بن عبدالعزيز منذ سنوات طويلة فإنه لم يعد مستغربا أو مفاجئا في الأوساط الصحافية والإعلامية في المملكة العربية السعودية أن يتلقى أي كاتب أو صحفي أو مثقف أو مؤرخ مكالمة مباشرة من سلمان بن عبدالعزيز أو طلبا لمقابلته بل إنهم يتوقعونها في كل وقت لأنهم يعرفونه قارئا من طراز نادر لا تفوت عليه دقائق المعلومات، خاصة ما يتعلق بها بثقافة الوطن وتاريخه. #3# ويرى الملك سلمان بن عبدالعزيز – كما جاء في كلمته في حفل دار الحياة 2003م- أن الإعلام سلاح خطير منذ أن وجد، ويرى أن الكلمة أمانة ومسؤولية في كل زمان ومكان، ولكن حين تتحول الكلمة إلى سلعة تباع وتشترى فإن كل إنسان شريف يجب عليه رفضها، فالملك ــ حفظه الله ــ يحترم من يقول الحقيقة ويسعى إليها، كما يحترم من يبدي الرأي البنّاء، في حين يرى أن التعبير عن الرأي متى اقترن بالصدق والإخلاص والاجتهاد أمر مقبول لأنه حفي بصاحبه إذا أخطأ أن يعود إلى الحق وليس في ذلك مثلبة عليه. *الطريقة السلمانية في قراءة المعاملات ظل الملك سلمان بن عبدالعزيز حاكما إداريا لعاصمة الدولة وقاعدة حكمها لمدة تتجاوز النصف قرن بشكل متصل كان خلالها يستقبل أعدادا كبيرة من المواطنين بشكل يومي في مقر إمارة الرياض وبشكل أسبوعي في قصره الخاص وقد لاحظ بعض مسؤولي الدولة أنه رغم العدد الهائل من المعاملات التي تعرض عليه ورغم كثرة الأعباء والالتزامات فإنه يتميز عليهم بسرعة الإنجاز والبت في المشكلات والقضايا وتعجب من قدرة الأمير / الملك على الاطلاع على هذه المعاملات بهذا الشكل السريع فسعى منهم من سعى لاكتشاف هذا السر الإداري الخفي. وذكر غازي القصيبي في كتابه (حياة في الإدارة) هذه القصة: “عندما كنت في الجامعة ذهبت مرة لزيارة الأمير سلمان بن عبدالعزيز في مكتبه بإمارة الرياض لاحظت أنه يقرأ الأوراق بسرعة مذهلة سألته عن السر فقال: لا داعي لقراءة الثلث الأول من الرسالة لأنه يحتوي على ديباجة، طويلة ولا داعي لقراءة الثلث الأخير من الرسالة لأنه يحتوي على خاتمة طويلة تكفي قراءة الثلث الأوسط”، قال القصيبي: منذ ذلك التاريخ وأنا أتبع (الطريقة السلمانية في قراءة المعاملات). #4# *سؤال سلماني عن المفاضلة بين الكرم والشجاعة ذكر الأديب فهد المارك في كتابه (من شيم الملك عبدالعزيز) أن الأمير / الملك سلمان بن عبدالعزيز وجه إليه سؤالا في إحدى المناسبات: هل الكريم أفضل أم الشجاع أفضل؟ فأجابه أن الأمر يعود إلى منزلة المرء الاجتماعية فإذا كان أميرا فإن المطلوب منه أن يكون كريما أما إذا كان جنديا أو يشبه الجندي فينبغي منه أن يكون شجاعا وإذا كان الجبن ممقوتا من الجندي، فإن البخل ممقوت أكثر من الأمير، والواقع أن افتراق الشجاعة والسخاء في خلق الإنسان نادر الوقوع وإذا نظرنا للتاريخ بعمق وجدنا الشجعان هم الذين غيروا وجه التاريخ مع أنهما سجيتان يكمل بعضهما بعضا،أما القائد في مثل جزيرتنا العربية فإنه يستحيل أن تتم له السيطرة على قومه ما لم تتوفر فيه الشجاعة والكرم وهكذا كان الملك عبدالعزيز. *فلسفة سلمان حول كثرة العدد وقلته يروي المارك في كتابه الذي أشرنا إليه حوارا بينه وبين الأمير / الملك سلمان يعطي انطباعا حول نظرته المنطقية للأمور وتفسيره التاريخي الاجتماعي للأحداث، قال المارك: قلت للأمير سلمان بن عبدالعزيز: لو أن عدد قبيلة (العجمان) كعدد بعض القبائل لأصبحت لهم السيادة على قبائل الجزيرة العربية بكاملها نظرا لتكاتفهم فيما بينهم بشجاعتهم، فقال: إن قلتهم هذه هي التي دفعتهم إلى ما تراه من شجاعتهم وتكاتفهم! قال المارك: فأعجبت بجواب سلمان الذي دائما أسمع منه جوابا منطقيا ومقنعا، فما الشبل إلا من ذاك الأسد. *باحث ومؤرخ
إنشرها